ما
يجوز به التيمم:
اتفق
الفقهاء
على جواز التيمم بالصعيد الطاهر، وهو شرط عند الجمهور، فرض عند
المالكية.
قال
الله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}
[المائدة:6].
وقد
اختلفوا في المراد بالصعيد هل هو وجه الأرض أو التراب المنبت؟ أما جواز المسح على
التراب المنبت فبالإجماع.
وأما
غيره مما على وجه الأرض، فقد اختلف الفقهاء فيه، فذهب المالكية وأبو حنيفة
ومحمد إلى أن المراد بالصعيد وجه الأرض، فيجوز عندهم التيمم بكل ما هو من جنس
الأرض، لأن الصعيد مشتق من الصعود وهو العلو، وهذا لا يوجب الاختصاص بالتراب، بل
يعم كل ما صعد على الأرض من أجزائها. والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "
عليكم بالأرض" من غير فصل، وقوله عليه الصلاة والسلام: "جعلت لي الأرض مسجداً
وطهوراً" واسم الأرض يتناول جميع أنواعها.
والطيب
عندهم هو الطاهر، وهو الأليق هنا، لأنه شرع مطهراً، والتطهير لا يقع إلا بالطاهر،
من أن معنى الطهارة صار مرادا بالإجماع حتى لا يجوز التيمم بالصعيد
النجس.
وقد
اختلفوا في بعض ما يجوز به التيمم:
فذهب
المالكية
إلى إنه يجوز التيمم بالتراب -وهو الأفضل من غيره عند وجوده- والرمل، والحصى، والجص
الذي لم يحرق بالنار، فإن أحرق أو طبخ لم يجز التيمم به.
ويجوز
التيمم المعادن ما دامت في مواضعها ولم تنقل من محلها إذا لم تكن من أحد النقدين
-الذهب أو الفضة- أو من الجواهر كاللؤلؤ، فلا يتيمم على المعادن من شب، وملح،وحديد،
ورصاص، وقصدير، وكحل، إن نقلت من محلها وصارت أموالا في أيدي
الناس.
ولا
يجوز التيمم بالخشب والحشيش سواء أوجد غيرهما أم لا، لأنها ليسا من أجزاء الأرض،
وفي المسألة خلاف وتفصيل عند المالكية.
ويجوز
التيمم عندهم بالجليد وهو الثلج المجمد من الماء على وجه الأرض أو البحر، حيث عجز
عن تحليله وتصييره ماء، لأنه أشبه بجموده الحجر فالتحق بأجزاء
الأرض.
وذهب
أبو حنيفة ومحمد
إلى أنه يجوز التيمم بكل ما كان من جنس الأرض، ثم اختلفا، فقال أبو حنيفة يجوز
التيمم بكل ما هو من جنس الأرض، التزق بيده شيء أو لا، لأن المأمور به هو التيمم
بالصعيد مطلقاً من غير شرط الالتزاق، ولا يجوز تقييد المطلق إلا
بدليل.
وقال
محمد:
لا يجوز إلا إذا التزق بيده شيء من أجزائه، فالأصل عنده أنه لا بد من استعمال جزء
من الصعيد ولا يكون ذلك إلا بأن يلتزق بيده شيء منه.
فعلى
قول أبي حنيفة
يجوز التيمم بالجص، والنورة، والزرنيخ، والطين الأحمر، والأسود، والأبيض، والكحل،
والحجر الأملس، والحائط المطين، والمجصص، والملح الجبلي دون المائي،والآجر، والخزف
المتخذ من طين، خالص، والأرض الندية، والطين الرطب.
ولكن
لا ينبغي أن يتيمم بالطين ما لم يخف ذهاب الوقت، لأن فيه تلطيخ الوجه من غير ضرورة
فيصير بمعنى المثلة، وإن كان لو تيمم به أجزأه عندهما، لأن الطين من أجزاء الأرض،
فإن خاف ذهاب الوقت تيمم وصلى عندهما، ويجوز التيمم عندهما بالغبار بأن ضرب يده على
الثوب، أو لبد، أو صفّة سرج، فارتفع غبار، أو كان على الحديد، أو على الحنطة، أو
الشعير، أو نحوها غبار، فتيمم به أجزأه في قولهما، لأن الغبار وإن كان لطيفاً فإنه
جزء من أجزأه الأرض فيجوز التيمم، كما يجوز بالكثيف بل أولى.
وقد
روي أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان بالجابية (منطقة في دمشق) فمطروا فلم
يجدوا ماء يتوضؤون به، ولا صعيداً يتيممون به، فقال ابن عمر: لينفض كل واحد منكم
غبار ثوبه، أو صفّة سرجه، وليتيمم، وليصل، ولم ينكر عليه أحد فيكون إجماعاً. ولو
كان المسافر في طين وردغة لا يجد ماء ولا صعيدا وليس في ثوبه وسرجه غبار لطخ ثوبه
أو بعض جسده بالطين فإذا جف تيمم به.
أما
ما لم يكن من جنس الأرض فلا يجوز التيمم به اتفاقاً عند الحنفية. فكل ما
يحترق بالنار فيصير رماداً كالحطب والحشيش ونحوهما، أو ما ينطبع ويلين كالحديد،
والصفر، والنحاس، والزجاج ونحوها، فليس من جنس الأرض. كما لا يجوز التيمم بالرماد
لأنه من أجزاء الحطب وليس من أجزاء الأرض.
وذهب
الشافعية والحنابلة وأبو يوسف من الحنفية إلى
أنه لا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر ذي غبار يعلق باليد غير محترق لقوله تعالى:
{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة:6] وهذا يقتضي
أنه يمسح بجزء منه، فما لا غبار له كالصخر، لا يمسح بشيء منه. وقوله صلى اله عليه
وسلم: "جعل التراب لي طهورا" [أخرجه أحمد].
فإن
كان جريشا أو ندياً لا يرتفع له غبار لم يكف. لأن الصعيد الطيب هو التراب المنبت،
وقد سئل ابن عباس رضي الله عنهما أي الصعيد أطيب فقال: الحرث، وهو التراب الذي يصلح
للنبات دون السبخة ونحوها.
وأضاف
الشافعية
إلى التراب الرمل الذي فيه غبار، وعن أحمد روايتان: الجواز وعدمه، وعن أبي يوسف
روايتان أيضاً.
ولا
يجوز عندهم جميعاً (الشافعية وأحمد وأبو يوسف) التيمم بمعدن كنفط، وكبريت، ونورة،
ولا بسحاقة خزف، إذ لا يسمى ذلك تراباً.
ولا
بتراب مختلط بدقيق ونحوه كزعفران،وجص، لمنعه وصول التراب إلى العضو، ولا بطين رطب،
لأنه ليس بتراب، ولا بتراب نجس كالوضوء باتفاق العلماء. لقوله تعالى:
فَتَيَمَّمُوا
صَعِيدًا طَيِّبًا}
[المائدة:6].
وقال
الشافعية
إن ما استعمل في التيمم لا يتيمم به كالماء المستعمل. وزاد الحنابلة المغصوب ونحوه
فلا يجوز التيمم به.
ويجوز
المسح بالثلج عند الحنابلة على أعضاء الوضوء إذ تعذر تذويبه لقوله صلى الله
عليه وسلم: إذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم". ثم إذا جرى الماء على الأعضاء
بالمس لم يعد الصلاة لوجود الغسل وإن كان خفيفاً، وإن لم يسل أعاد صلاته، لأنه صلى
بدون طهارة كاملة.