المياه
التي يجوز التطهير بها، والتي لا يجوز:
قسم
الفقهاء الماء من حيث جواز التطهير به ورفعه للحدث والخبث، أو
عدم
ذلك،
إلى عدة أقسام:
القسم
الأول:
ماء
طاهر مطهّر غير مكروه، وهو الماء المطلق، وهو الماء الباقي
على
خلقته،
أو هو الذي لم يخالطه ما يصير به مقيداً.
والماء
المطلق يرفع الحدث والخبث باتفاق الفقهاء. ويلحق به عند جمهور الفقهاء
ما
تغير
بطول مكثه، أو بما هو متولد منه كالطحلب.
القسم
الثاني:
ماء
طاهر مطهّر مكروه، وخص كل مذهب هذا القسم بنوع من
المياه:
قال الحنفية: إن الماء الذي شرب منه حيوان مثل الهرة الأهلية والدجاجة
المخلاة وسباع الطير والحية والفأرة، وكان قليلاً، الكراهة تنزيهية على الأصح، ثم
إن الكراهة إنما هي عند وجود المطلق، وإلا فلا كراهة أصلاً.
وقال
المالكية:
إن الماء إذا استعمل في رفع حدث أو في إزالة حكم خبث فإنه يكره استعماله بعد ذلك في
طهارة حدث كوضوء أو اغتسال مندوب لا في إزالة حكم خبث، والكراهة مقيدة بأمرين: أن
يكون ذلك الماء المستعمل قليلاً كآنية الوضوء والغسل، وأن يوجد غيره، وإلا فلا
كراهة، كما يكره عندهم الماء اليسير -وهو ما كان قدر آنية الوضوء أو الغسل فما
دونها- إذا حلت فيه نجاسة قليلة كالقطرة ولم تغيره، والكراهة مقيدة بقيود سبعة: أن
يكون الماء الذي حلت فيه النجاسة يسيراً، وأن تكون النجاسة التي حلت فيه قطرة فما
فوقها، وأن لا تغيره، وأن يوجد غيره، وأن لا يكون له مادة كبئر، وأن لا يكون
جارياً، وأن يراد استعماله فيما يتوقف على طهوره، كرفع حدث وحكم خبث ووضوء أو غسل
مندوب، فإن انتفى قيد منها فلا كراهة.
ومن
المكروه أيضاً: الماء اليسير الذي ولغ فيه كلب ولو تحققت سلامة فيه من النجاسة،
وسؤر شارب الخمر.
وذهب
الشافعية
إلى أنَّ الماء المكروه ثمانية أنواع:
المشمس،
وشديد الحرارة، وشديد البرودة، وماء ديار ثمود إلا بئر الناقة، وماء ديار قوم لوط،
وماء بئر برهوت، وماء أرض بابل، وماء بئر ذروان.
وذهب
الحنابلة
إلى أن المكروه: الماء المتغير بغير ممازج، كدهن وقطران وقطع كافور، أو ماء سخن
بمغصوب أو بنجاسة، أو الماء الذي اشتد حره أو برده، والكراهة مقيدة بعدم الاحتياج
إليه، فإن احتيج إليه تعين وزالت الكراهة.
وكذا
يكره استعمال ماء البئر الذي في المقبرة، وماء في بئر موضع غصب، وما ظن تنجسه، كما
نصوا على كراهية استعمال ماء زمزم في إزالة النجاسة دون طهارة الحدث تشريفاً
له.
القسم
الثالث:
- ماء
طاهر في نفسه غير مطهر. ذهب الحنفية إلى أن الماء الطاهر في نفسه غير المطهر لغيره،
هو الماء المستعمل وهو: ما أزيل به حدث أو استعمل في البدن على وجه القربة، ولا
يجوز استعماله في طهارة الأحداث، بخلاف الخبث، ويصير مستعملاً عندهم بمجرد انفصاله
عن الجسد ولو لم يستقر بمحل.
وذهب
المالكية والشافعية والحنابلة
إلى أنه الماء المتغير طعمه أو لونه أو ريحه بما خالطه من الأعيان الطاهرة تغيراً
يمنع إطلاق اسم الماء عليه، وهو كذلك عند الشافعية: الماء المستعمل في فرض
الطهارة ونفلها على الجديد.
وصرح
المالكية والشافعية والحنابلة
بأن هذا النوع لا يرفع حكم الخبث أيضاً، وعند الحنفية يرفع حكم
الخبث.
القسم
الرابع:
ماء
نجس، وهو: الماء الذي وقعت فيه نجاسة وكان قليلاً، أو كان كثيراً وغيّرته، وهذا لا
يرفع الحدث ولا النجس بالاتفاق.
القسم
الخامس:
ماء
مشكوك في طهوريته، وانفرد بهذا القسم الحنفية، وهو عندهم: ما شرب منه بغل أو
حمار.
القسم
السادس:
ماء
محرم لا تصح الطهارة به، وانفرد به الحنابلة، وهو عندهم: ماء آبار ديار ثمود-غير
بئر الناقة- والماء المغصوب، وماء ثمنه المعين حرام.
تطهير
محل النجاسة:
اختلف
الفقهاء
في ما يحصل به طهارة محل النجاسة:
فذهب
الحنفية
إلى التفريق بين النجاسة المرئية وغير المرئية.
فإذا
كانت النجاسة مرئية فإنه يطهر المحل المتنجس بها بزوال عينها ولو بغسله واحدة على
الصحيح ولو كانت النجاسة غليظة. ولا يشترط تكرار الغسل، لأن النجاسة فيه باعتبار،
فتزول بزوالها.
وهذا
الحكم فيما إذا صب الماء على النجاسة، أو غسلها في إجّانة كطست فيطهر بالثلاث إذا
عصر في كل مرة.
وإذا
كانت النجاسة غير مرئية فإنه يطهر المحل بغسلها ثلاثاً وجوباً، والعصر كل مرة في
ظاهر الرواية، تقديراً لغلبة الظن في استخراجها.
ويبالغ
في المرة الثالثة حتى ينقطع التقاطر، والمعتبر قوة كل عاصر دون غيره، فلو كان بحيث
لو عصر غيره قطر طهر بالنسبة إليه دون ذلك الغير.
أما
إذا غمسه في ماء جار حتى جرى عليه الماء أو صب عليه ماء كثير، بحيث يخرج ما أصابه
من الماء ويخلف غيره ثلاثا، فقد طهر مطلقا بلا اشتراط عصر وتكرار
غمس.
ويقصد
بالنجاسة المرئية عندهم: ما يرى بعد الجفاف، وغير المرئية: ما لا يرى
بعده.
وذهب
المالكية
إلى أنه يطهر محل النجاسة بغسله من غير تحديد عدد، بشرط زوال طعم النجاسة ولو عسر،
لأن بقاء الطعم دليل على تمكن النجاسة من المحل فيشترك زواله، وكذلك يشترط زوال
اللون والريح إن تيسر ذلك، بخلاف ما إذا تعسر.
وذهب
الشافعية
إلى التفريق بين أن تكون النجاسة عيناً أو ليست بعين.
فإن
كانت النجاسة عينا فإنه يجب إزالة الطعم، ومحاولة إزالة اللون والريح، فإن لم يزل
بحتّ أو قرص ثلاث مرات عفي عنه ما دام العسر، ويجب إزالته إذا قدر، ولا يضر بقاء
لون أو ريح عسر زواله فعفي عنه، فإن بقيا معاً ضر على الصحيح، لقوة دلالتهما على
بقاء عين النجاسة.
وإن
لم تكن النجاسة عيناً -وهي ما لا يدرك لها عين ولا وصف، وسواء أكان عدم الإدراك
لخفاء أثرها بالجفاف، كبول جفَّ فذهب عينه ولا أثر له ولا ريح، فذهب وصفه، أم لا،
لكون المخل صقيلاً لا تثبت عليه النجاسة كالمرآة والسيف- فإنه يكفي جريان الماء
عليه مرة، وإن لم يكن بفعل فاعل كمطر.
وذهب
الحنابلة إلى أنه تطهر المتنجسات بسبع غسلات منقية، لقول ابن عمر رضي الله تعالى
عنهما: "أمرنا أن نغسل الأنجاس سبعاً" وقد أمرنا به في نجاسة الكلب، فيلحق به سائر
النجاسات، لأنها في معناها، والحكم لا يختص بمورد النص، بدليل إلحاق البدن والثوب
به.
وفي
قول عند الحنابلة: إنه لا يجب فيه عدد، اعتماداً على أنه لم يصح عن النبي
صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء، لا في قوله ولا في فعله.
ويضر
عندهم بقاء الطعم، لدلالته على بقاء العين ولسهولة إزالته ويضر كذلك بقاء اللون أو
الريح أوهما معا إن تيسر إزالتهما، فإن عسر ذلك لم يضر.
وهذا
في غير نجاسة الكلب والخنزير