مسائل
متفرعة على طهارة الثوب والبدن والمكان:
طهارة
الثوب والبدن:
أ-
لو وقعت ثياب المصلي كالعباءة على أرض نجسة عند السجود: لا يضر ذلك عند الحنفية،
لأن المفسد للصلاة عندهم أن يكون النجس في موضع قيامه أو جبهته أو في موضع يديه أو
ركبتيه.
وتفسد
الصلاة عند الشافعية والحنابلة، فلا تصح صلاة ملاقٍ بعضُ لباسه أو بدنه
نجاسة، لأن ثوب المصلي تابع له، وهو كعضو سجوده.
ب-
جهل النجاسة: لو صلى حاملاً نجاسة غير معفو عنها، ولا يعلمها: تبطل صلاته في
المذاهب الثلاثة (غير المالكية) وعليه قضاؤها، لأن الطهارة مطلوبة في
الواقع، ولو مع جهله بوجود النَّجِس أو بكونه مبطلاً، لقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ
فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] والمشهور عند المالكية: أن الطهارة من الخبث أو إزالة
النجاسة واجبة في حال الذكر والقدرة، فمن صلى بها ذاكراً قادراً، أعاد، ويسقط
الوجوب بالعجز والنسيان، فلا يعيد إن صلى ناسياً أو عاجزاً.
جـ-
الثوب المتنجس أو المكان النجس: إن لم يجد المصلي غير ثوب عليه نجاسة غير معفو عنها
ولم يتيسر غسل النجاسة، أو وجد الماء ولم يجد من يغسلها وهو عاجز عن غسلها، أو وجده
ولم يرض إلا بأجرة ولم يجدها، أو وجدها ولم يرض إلا بأكثر من أجرة المثل، أو حبس
على نجاسة، واحتاج إلى فرض السترة عليها، لم يجز لبس الثوب النجس عند الشافعية لأنه
سترة نجسة، وجاز لبسه عند الحنفية والمالكية والحنابلة وصلى بالثوب النجس
عند المالكية، وصلى عندهم قائماً عُرْياناً إن لم يجد ثوباً يستر به عورته، لأن ستر
العورة مطلوب عند توفر القدرة على سترها، والمعتمد الإعادة في الوقت إن وجد ثوباً
طاهراً. إن صلى بنجس أو بحرير أو بذهب ولو خاتماً، أو صلى
عرياناً.
ويصلي
في حال فقد الساتر جالساً، يومئ إيماءً عند الحنابلة والحنفية، عملاً بفعل ابن عمر،
روى الخلال بإسناده عن ابن عمر في قوم انكسرت مراكبهم، فخرجوا عراة، قال: "يصلون
جلوساً، يؤمئون إيماءً برءوسهم" وروى عبد الرازق عن ابن عباس، قال: "الذي يصلي في
السفينة، والذي يصلي عرياناً، يصلي جالساً". أما في حالة وجود الساتر النجس فيصلي
فيه، ولا يعيد، ولا يصلي عرياناً، لأن الستر آكد من إزالة النجاسة، فكان أولى، ولأن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "غطِّ فخذك" وهذا عام، ولأن السترة متفق على
اشتراطها، والطهارة من النجاسة مختلف فيها، فكان المتفق عليه
أولى.
ويصلي
عند الشافعية عرياناً قائماً متماً الأركان، ولا إعادة عليه على المذهب
عندهم، لأن الصلاة مع العري يسقط بها الفرض. لكن لو كان على بدنه نجاسة غير معفو
عنها، ولم يجد ما يغسل به، صلى وأعاد كفاقد الطهورين، لأن الصلاة مع النجاسة لا
يسقط بها الفرض.
وفصل
الحنفية
في الأمر فقالوا: إن كان ربع الثوب فأكثر طاهراً، صلى فيه حتماً، ولم يصل عرياناً،
لأن الربع كالكل، يقوم مقامه في مواضع منها كشف العورة، ويتحتم عليه تقليل النجاسة
بقدر الإمكان، ويلبس أقل ثوبيه نجاسة.
وإن
كان أقل من ربعه طاهراً، ندب صلاته فيه بالقيامة والركوع والسجود، وجاز أن يصلي
عارياً بالإيماء، والصلاة في ثوب نجس الكل أحب من الصلاة عرياناً. وإذا لم يجد
المسافر ما يزيل به النجاسة أو يقللها، صلى معها، أو عارياً، ولا إعادة عليه،
والقاعدة عندهم: أن فاقد ما يزيل به النجاسة يصلي معها، ولا إعادة عليه، ولا على
فاقد ما يستر عورته. والصلاة عُرْياناً: أن يمد رجليه إلى القبلة لكونه أستر، ويومئ
إيماء بالركوع والسجود وهو أفضل من الصلاة قائماً، لأن الستر
آكد.
د-
جهالة محل النجاسة في الثوب: إذا وجد ثوب متنجس، ولكن خفي عليه موضع
النجاسة:
يكفي
عند الحنفية غسل طرف من الثوب، ولو من غير تحر، ويطهر. ويغسل الثوب كله أو
البدن كله عند الشافعية إن كان الخفاء في جميعه، وكذلك يغسل كله على الصحيح إن ظن
طرفاً، لأن الثوب والبدن واحد. ولو اشتبه عليه طاهر ونجس من ثوبين أو بيتين، اجتهد
فيهما للصلاة.
هـ-
طرف الثوب على نجاسة: لو كان على المصلي ثوب أو غيره وطرفه واقع على نجاسة كطرف
عمامته الطويلة أو كمه الطويل المتصل بنجاسة:
لم
تصح صلاته عند الشافعية كالمسألة الأولى، وإن لم يتحرك الطرف الذي يلاقي النجاسة
بحركته أثناء قيامه وقعوده أو ركوعه وسجوده، لأن اجتناب النجاسة في الصلاة شرع
للتعظيم، وهذا ينافيه هنا. وذلك بخلاف ما لو سجد على متصل بالنجاسة حيث تصح الصلاة
إن لم يتحرك بحركته، لأن المطلوب في السجود كونه مستقراً على غيره، لحديث "مكّن
جبهتك" فإذا سجد على متصل بنجس لم يتحرك بحركته، حصل المقصود. وعلى هذا لا يضر في
صحة الصلاة نجس يحاذي صدر المصلي في الركوع والسجود وغيرهما على الصحيح، لعدم
ملاقاته له.
وقال
الحنفية:
تصح صلاته إن لم يتحرك الطرف النجس بحركته، فإن تحرك لم تصح، لأن الشرط عندهم طهارة
ثوب المصلي وما يتحرك بحركته، أو يعد حاملاً له، كما سيأتي. وذلك بخلاف ما لم يتصل
كبساط طرفه نجس، وموضع الوقوف والجبهة طاهر، فلا يمنع صحة
الصلاة.
و-
إمساك حبل مربوط بنجس: إذا أمسك المصلي حبلاً مربوطاً بنجس، كالحبل الذي يمسك به
كلب بقلادة في عنقه، أو دابة أو مركب صغير يحملان نجساً:
لم
تصح صلاته عند الشافعية، لأن الكلب سواء أكان صغيراً أم كبيراً نجس العين
عندهم، ويصبح المصلي في هذه الحالة حاملاً نجساً، لأنه إذا مشى انجر معه. بخلاف
السفينة الكبيرة التي لا تنجر بجره، فإنها كالدار، تصح الصلاة بحبل متصل بها. لكن
لو جعل طرف الحبل تحت رجله، صحت صلاته في جميع الصور عند
الشافعية.
وتصح
صلاته عند الحنفية كالحالة السابقة في حالة إمساك الكلب لأنه ليس بنجس
العين، بل هو طاهر الظاهر، كغيره من الحيوانات سوى الخنزير، فلا ينجس إلا بالموت.
وذلك إذا لم يسل من الكلب ما يمنع الصلاة.
ز-
حمل بيضة صار مُحُّها(1)
دماً: لو صلى المصلي حاملاً بيضة مَذِرة (فاسدة) صار محها دماً، جاز عند الحنفية،
كمسألة الكلب، لأن الدم في معدن البيض، والشيء ما دام في معدنه لا يعطى له حكم
النجاسة، بخلاف ما لو حمل قارورة فيها بول، فلا تجوز صلاته، لأنه في غير
معدنه.
__________________
(1) المح
: خالص كل شيء. والمراد هنا صفرة البيض أو كل ما في البيض.
ولا
تصح صلاته في الحالتين عند الشافعية، لأنه يكون حاملاً
نجاسة.
ح-
حمل صبي صغير في الصلاة: لو حمل المصلي صبياً صغيراً عليه نجس: تبطل صلاته عند
الحنفية إن لم يستمسك بنفسه، لأنه يعد حاملاً للنجاسة، ويشترط عندهم طهارة ما يعد
حاملاً له أي باستثناء ما يكون في الجوف كمسألة الكلب والبيضة السابقة. وتصح صلاته
إن كان الصغير يستمسك بنفسه، لأنه لا يعد حاملاً للنجاسة.
وقال
الشافعية كالحنفية وغيرهم
اتفاقاً لا خلاف فيه: لا يضر حمل الصبي الذي لا تظهر عليه نجاسة، فلو حمل حيواناً
طاهراً في صلاته، صحت صلاته، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حمل أمامة بنت أبي العاص
في صلاته. متفق عليه. ولأن ما في الحيوان من النجاسة في معدن النجاسة هو كالنجاسة
التي في جوف المصلي.
ط-
وصل العظم بنجس: قال الشافعية: لو وصل عظمه المنكسر بنجس لفقد الطاهر، فهو
معذور تصح صلاته معه للضرورة.
ثانياً-
طهارة المكان:
أ-
الصلاة على بساط عليه نجاسة: إذا صلى على بساط عليه نجاسة: فإن صلى على الموضع
النجس، فلا تصح صلاته بالاتفاق، لأنه ملاق للنجاسة، ووضع العضو على النجاسة بمنزلة
حملها، وإن صلى على موضع طاهر صحت صلاته اتفاقاً أيضاً، ولو كان البساط صغيراً عند
الحنفية، لأنه غير ملاق للنجاسة ولا حامل لما هو متصل
بالنجاسة.
ب-
الصلاة على موضع نجس بحائل: إن فرش على الأرض النجسة شيئاً وصلى عليه، جاز بالاتفاق
إن صلح الفرش ساتراً للعورة، لأنه غير مباشر للنجاسة ولا حامل لما هو متصل بها. فإن
لامس النجاسة من ثقوب الفرش، بطلت صلاته، وأضاف الحنفية: أنه تجوز الصلاة
على لِبْد (فرش سميك) وجهه الأعلى طاهر، والأسفل نجس، وعلى ثوب طاهر وبطانته نجسة
إذا كان غير مخيط بها، لأنه كثوبين فوق بعضهما.
جـ-
النجاسة في بيت أو صحراء: إذا كانت النجاسة في بيت أو صحراء وعرف مكانها، صلى في
المواضع الخالية عن النجاسة.
وإن
خفي عليه موضعها: تحرى المكان الطاهر وصلى عند الحنفية.
وقال
الشافعية: إن كانت الأرض واسعة كصحراء، فصلى في موضع منها جاز، لأنه غير متحقق لها،
ولأن الأصل فيها الطهارة، ولا يمكن غسل جميعها.
وإن
كانت الأرض صغيرة كبيت، لم يجز أن يصلي فيه حتى يغسله، كما في حالة الشك بنجاسة جزء
من الثوب، لأن البيت ونحوه يمكن غسله وحفظه من النجاسة،فإذا نجس أمكن غسله، وإذا
خفي موضع النجاسة منه غسله كله كالثوب.
وإن
كانت النجاسة في أحد البيتين واشتبها عليه، تحرى كما يتحرى في
الثوبين.
وإن
حبس في موضع نجس - حُش (هو الخلاء)، وجب عليه أن يصلي عند جمهور العلماء، لقوله صلى
الله عليه وسلم: "وإذا أمرتكم بشيء، فأتوا منه ما استطعتم" متفق عليه. وقياساً على
المريض العاجز عن بعض الأركان.
وإذا
صلى يجب عليه أن يتجافى عن النجاسة في قعوده بيديه وركبتيه وغيرهما القدر الممكن،
ويجب عليه أيضاً الإيماء أو الانحناء في السجود إلى القدر الذي لو زاد عليه لاقى
النجاسة، ولا يسجد على الأرض، على الصحيح، لأن الصلاة قد تجزئ مع الإيماء، ولا تجزئ
مع النجاسة.
وتجب
عليه الإعادة في موضع طاهر جديد، لأنه ترك الفرض لعذر نادر غير متصل، فلم يسقط عنه
الفرض، كما لو ترك السجود ناسياً. والذي يعتبر فرضاً هو الصلاة
الثانية.