قوله تعالى {وَلا عَلى الَّذينَ
إِذا ما أَتَوكَ لِتَحمِلَهُم} نزلت في البكائين وكانوا سبعة معقل
بن يسار وصخر بن خنيس وعبد الله بن كعب الأنصاري وسالم بن عمير وثعلبة بن
غنمة وعبد الله بن مغفل أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا
نبي الله إن الله عز وجل قد ندبنا للخروج معك فاحملنا على الخفاف المرفوعة
والنعال المخصوفة نغزو معك فقال: لا أجد ما أحملكم عليه فتولوا وهم
يبكون.
وقال مجاهد: نزلت في بني مقرن معقل وسويد والنعمان.
قوله تعالى {الأَعرابُ أَشَدُّ
كُفراً وَنِفاقاً} نزلت في أعاريب من أسد وغطفان وأعاريب من
أعاريب حاضري المدينة.
قوله تعالى {وَمِمَّن حَولَكُم
مِّنَ الأَعرابِ مُنافِقونَ} قال الكلبي: نزلت في جهينة ومزينة
وأشجع وأسلم وغفار من أهل المدينة يعني عبد الله بن أبي وجد بن قيس ومعتب
بن بشير والجلاس بن سويد وأبي عامر الراهب.
قوله تعالى {وَآَخَرونَ
اِعتَرَفوا بِذُنوبِهِم} قال ابن عباس في رواية ابن الوالبي:
نزلت في قوم كانوا قد تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك
ثم ندموا على ذلك وقالوا: نكون في الكن والظلال مع النساء ورسول الله صلى
الله عليه وسلم وأصحابه في الجهاد والله لنوثقن أنفسنا بالسواري فلا نطلقها
حتى يكون الرسول هو يطلقها ويعذرنا وأوثقوا أنفسهم بسواري المسجد فلما رجع
رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بهم فرآهم فقال: من هؤلاء قالوا:
هؤلاء تخلفوا عنك فعاهدوا الله أن لا يطلقوا أنفسهم حتى تكون أنت الذي
تطلقهم وترضى عنهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أقسم بالله لا
أطلقهم ولا أعذرهم حتى أؤمر بإطلاقهم رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع
المسلمين فأنزل الله تعالى هذه الآية فلما نزلت أرسل إليهم النبي صلوات
الله عليه وأطلقهم وعذرهم فلما أطلقهم قالوا: يا رسول الله هذه أموالنا
التي خلفتنا عنك فتصدق بها عنا وطهرنا واستغفر لنا فقال: ما أمرت أن آخذ
من أموالكم شيئاً فأنزل الله عز وجل {خُذ مِن
أَموالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم} الآية.
وقال ابن عباس: كانوا عشرة رهط.
قوله تعالى {وَآَخَرونَ مُرجونَ
لأَمرِ اللهِ} الآية.
نزلت في كعب بن مالك ومرارة بن الربيع أحد بني عمرو بن
عوف وهلال بن أمية من بني واقف تخلفوا عن غزوة تبوك وهم الذين ذكروا في
قوله تعالى {وَعَلى الثَلاثَةِ الَّذينَ خُلِّفوا}
الآية.
قوله تعالى {وَالَّذينَ
اِتَّخَذوا مَسجِداً ضِراراً وَكُفراً} قال المفسرون: إن بني
عمرو بن عوف اتخذوا مسجد قباء وبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
يأتيهم فأتاهم فصلى فيه فحسدهم إخوتهم بنو عمرو بن عوف وقالوا: نبني
مسجداً ونرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي فيه كما يصلي في مسجد
إخواننا وليصل فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام وكان أبو عامر قد ترهب
في الجاهلية وتنصر ولبس المسوح وأنكر دين الحنيفية لما قدم رسول الله صلى
الله عليه وسلم المدينة وعاداه وسماه النبي عليه الصلاة والسلام أبا عامر
الفاسق وخرج إلى الشام وأرسل إلى المنافقين أن استعدوا بما استطعتم من قوة
وسلاح وابنوا لي مسجداً فإني ذاهب إلى قيصر فآتي بجند الروم فأخرج محمداً
وأصحابه فبنوا مسجداً إلى جنب مسجد قباء وكان الذي بنوه اثني عشر رجلاً
حزام بن خالد ومن داره أخرج إلى المسجد وثعلبة بن حاطب ومعتب بن قشير وأبو
حبيبة بن الأرعد وعباد بن حنيف وحارثة وجارية وابناه مجمع وزيد ونبتل بن
حارث ولحاد بن عثمان ووديعة بن ثابت فلما فرغوا منه أتوا رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقالوا: إنا بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة
المطيرة والليلة الشاتية وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه فدعا بقميصه
ليلبسه فيأتيهم فنزل عليه القرآن وأخبر الله عز وجل خبر مسجد الضرار وما
هموا به فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم ومعن بن عدي
وعامر بن يشكر والوحشي قاتل حمزة وقال لهم: انطلقوا إلى هذا المسجد
الظالم أهله فاهدموه واحرقوه فخرجوا وانطلق مالك وأخذ سعفاً من النخل فأشعل
فيه ناراً ثم دخلوا المسجد وفيه أهله فحرقوه وهدموه وتفرق عنه أهله وأمر
النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ ذلك كناسة تلقى فيها الجيف والنتن
والقمامة ومات أبو عامر بالشام وحيداً غريباً.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى حدثنا العباس بن
إسماعيل بن عبد الله بن ميكال أخبرنا عبد الله بن أحمد بن موسى الأهوازي
أخبرنا إسماعيل بن زكريا حدثنا داود بن الزبرقان عن صخر بن جويرية عن عائشة
بنت سعد بن أبي وقاص عن أبيها قال: إن المنافقين عرضوا بمسجد يبنونه
يضاهون به مسجد قباء وهو قريب منه لأبي عامر الراهب يرصدونه إذا قدم ليكون
إمامهم فيه فلما فرغوا من بنائه أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالوا: إنا بنينا مسجداً فصل فيه حتى نتخذه مصلى فأخذ ثوبه ليقوم معهم
فنزلت هذه الآية {لا تَقُم فيهِ أَبَداً}.
قوله تعالى {إِنَّ اللهَ اِشتَرى
مِنَ المُؤمِنينَ أَنفُسَهُم وَأَموالَهُم} الآية.
قال محمد بن كعب القرظي: لما بايعت الأنصار رسول الله
صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة بمكة وهم سبعون نفساً قال عبد الله بن
رواحة: يا رسول الله اشترط لربك ولنفسك ما شئت فقال: أشترط لربي أن
تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم
قالوا: فإذا فعلنا ذلك فماذا لنا قال: الجنة قالوا ربح البيع لا نقيل
ولا نستقيل فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى {ما كانَ لِلنَّبِيِّ
وَالَّذينَ آَمَنوا أَن يَستَغفِروا لِلمُشرِكينَ} أخبرنا أبو عبد
الله محمد بن عبد الله الشيرازي أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن حميرويه
الهروي أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الخزاعي حدثنا أبو اليمان قال:
أخبرني شعيب عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضر أبا طالب
الوفاة دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن
أبي أمية فقال: أي عم قل معي لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله فقال
أبو جهل وابن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزالا
يكلمانه حتى قال آخر شيء كلمهم به على ملة عبد المطلب فقال النبي صلى الله
عليه وسلم: لأستغفرن لك ما لم أنه عنه فنزلت {ما
كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذينَ آَمَنوا أَن يَستَغفِروا لِلمُشرِكينَ وَلَو
كانوا أُولِى قُربى مِن بَعدِ ما تَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُم أَصحابُ
الجَحيمِ} رواه البخاري عن إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن
معمر عن الزهري.
ورواه مسلم عن حرملة عن ابن وهب عن يونس كلاهما عن
الزهري.
أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو النيسابوري أخبرنا الحسن بن
علي بن مؤمل أخبرنا عمرو بن عبد الله البصري أخبرنا موسى بن عبيدة قال:
أخبرنا محمد بن كعب القرظي حدثنا محمد بن عبد الوهاب أخبرنا جعفر بن عون
قال: بلغني أنه لما اشتكى أبو طالب شكواه التي قبض فيها قالت له قريش:
يا أبا طالب أرسل إلى ابن أخيك فيرسل إليك من هذه الجنة التي ذكرها تكون لك
شفاء فخرج الرسول حتى وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر جالساً
معه فقال: يا محمد إن عمك يقول إني كبير ضعيف سقيم فأرسل إلي من جنتك هذه
التي تذكر من طعامها وشرابها شيئاً يكون لي فيه شفاء فقال أبو بكر إن الله
حرمها على الكافرين فرجع إليهم الرسول فقال: بلغت محمداً الذي أرسلتموني
به فلم يحر إلى شيئاً.
وقال أبو بكر: إن الله حرمها على الكافرين فحملوا
أنفسهم عليه حتى أرسل رسولاً من عنده فوجد الرسول في مجلسه فقال له مثل ذلك
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله حرم على الكافرين طعامها
وشرابها ثم قام في إثر الرسول حتى دخل معه بيت أبي طالب فوجده مملوءاً
رجالاً فقال: خلوا بيني وبين عمي فقالوا: ما نحن بفاعلين ما أنت أحق به
منا إن كانت لك قرابة فلنا قرابة مثل قرابتك فجلس إليه فقال: يا عم جزيت
عني خيراً يا عم أعني على نفسك بكلمة واحدة أشفع لك بها عند الله يوم
القيامة قال: وما هي يا ابن أخي قال: قل لا إله إلا الله وحده لا شريك
له فقال: إنك لي ناصح والله لولا أن تعير بها فيقال: جزع عمك من الموت
لأقررت بها عينك قال: فصاح القوم: يا أبا طالب أنت رأس الحنيفية ملة
الأشياخ فقال: لا تحدث نساء قريش أن عمك جزع عند الموت فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: لا أزال أستغفر لك ربي حتى يردني فاستغفر له بعد ما
مات فقال المسلمون ما يمنعنا أن نستغفر لآبائنا ولذوي قراباتنا قد استغفر
إبراهيم لأبيه وهذا محمد صلى الله عليه وسلم يستغفر لعمه فاستغفروا
للمشركين حتى نزل {ما كانَ لِلنَّبيِّ وَالَّذينَ
آَمَنوا أَن يَستَغفِروا لِلمُشرِكينَ وَلَو كانوا أُولِى قُربى}.
أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد الحراني حدثنا محمد
بن عبد الله بن نعيم حدثنا محمد بن يعقوب الأموي حدثنا الحر بن نصير حدثنا
ابن وهب أخبرنا ابن جريج عن أيوب بن هانيء عن مسروق بن الأجدع عن عبد الله
بن مسعود قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر في المقابر وخرجنا
معه فأخذنا مجلسنا ثم تخطى القبور حتى انتهى إلى قبر منها فناجاه طويلاً ثم
ارتفع وجئنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم باك فبكينا لبكاء رسول الله صلى
الله عليه وسلم ثم إنه أقبل إلينا فتلقاه عمر بن الخطاب فقال: يا رسول
الله ما الذي أبكاك فقد أبكانا وأفزعنا فجاء فجلس إلينا فقال: أفزعكم
بكائي فقلنا: نعم فقال: إن القبر الذي رأيتموني أناجي فيه قبر آمنة بنت
وهب وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي فيها واستأذنت ربي في الاستغفار
لها فلم يأذن لي فيه ونزل {ما كانَ لِلنَّبِيِّ
وَالَّذينَ آَمَنوا أَن يَستَغفِروا لِلمُشرِكينَ} حتى ختم
الآية.
{وَما كانَ اِستِغفارُ إِبراهيمَ
لأَِبيهِ إِلّا عَن مَّوعِدَةٍ وَعَدَها إِيّاهُ} - فأخذني ما
يأخذ الولد للوالدة من الرقة فذلك الذي أبكاني.
قوله تعالى {وَما كانَ
المُؤمِنونَ لِيَنفُروا كافَّةً} قال ابن عباس في رواية الكلبي:
لما أنزل الله تعالى عيوب المنافقين لتخلفهم عن الجهاد قال المؤمنون:
والله لا نتخلف عن غزوة يغزوها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا سرية
أبداً فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسرايا إلى العدو نفر
المسلمون جميعاً وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده بالمدينة فأنزل
الله تعالى هذه الآية.