بسم
الله الرحمن الرحيم
مقدمة
:
الحمد
لله رب العالمين ، حمداً يليق بجلاله و بعظيم قدره و بعزيز سلطانه، وأفضل الصلاة
وأتم التسليم على سيدنا وحبيبنا محمد صلوات الله تعالى وسلامه عليه وعلى آله وصحبه
الأخيار ومن دعا بدعوته واهتدى بهداه. وبعد،
من
المعلوم أنَّ الإسلام دين شامل ومتكامل، منَّ الله به على عباده، ليضمن لهم حياة
سعيدة كريمة، و ذلك من خلال عدة ضوابط مُنَظِّمة ومُقَوِّمة للسلوك الإنساني ،
محققة التآلف و الترابط بين الأفراد على أساس من العدل و المحبة و التآخي . و
الزكاة هي واحدة من هذه الضوابط التي تَمُدُّ جهد الفرد و نشاطه الذاتي بعونٍ
يؤمِّن له كرامة العيش و مستوى الاكتفاء المادي و المعنوي . و إنَّ ما نعيشه اليوم
من أزمات اقتصادية خانقة و تدهور في المستوى المعيشي ، ما هو إلا نتيجة انحراف
المسلمين عموماً عن ذاك النهج الرباني ، الذي لن ينعم الكون و تستقيم أموره إلا
باتباع أوامره و اجتناب نواهيه ، لذلك كان الإنسان مأموراً بتعلم أحكام دينه
الشرعية طاعة لله تعالى أولاً و في ذلك سبيل لتحقيق حياة مستقرة سعيدة ثانياً . و
لسوف تدرك أخي المسلم هذه الحقيقة و تتيقَّن من هذه المعاني من خلال اطلاعك على
أحكام الزكاة التي هي إحدى دعائم و أركان الإسلام الخمس ، و التي سنحاول بعون الله
تعالى أن نشرحها لك في هذا البحث المتواضع ، بالإضافة إلى حل عدد من المسائل
المتعلقة بهذا الركن البالغ الأهمية و ذلك بطريقة السؤال و الجواب ، مع التذكير بأن
أبوابنا مشرعة دائماً لِتَقَبُّلِ أي نصيحة أو نقد أو ملاحظة أو طرح مسألة من
المسائل أغفلنا عن ذكرها و معالجتها ، سائلين المولى سبحانه و تعالى أن يجعل في
عملنا هذا نفعاً للمسلمين و عوناً للمؤمنين الحريصين على مرضاته تبارك و تعالى و أن
يتقبَّله منا بقبول حسن ، و أن يرزقنا الإخلاص دوماً لوجهه الكريم ، هو حسبنا و نعم
الوكيل .
اللهم
قد صح إفلاسنا من طاعتك فمن أحق منّا بصدقات عفوك ! .
1-
ما
معنى الزكاة ؟
الزكاة
مأخوذة من زكا الشيء ، يزكو أي زاد و نما ، يُقال : زكا الزرع و زكت التجارة إذا
زاد و نما كل منهما و تُستَعمل أيضاً بمعنى الطهارة و منه قوله تعالى : {قَدْ
أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9]، أي قد أفلح من طهَّر نفسه من الأخلاق
الرديئة. ثم استُعمِلَت الكلمة في اصطلاح الشريعة الإسلامية لقدر مخصوص من بعض
أنواع المال يجب صرفه لأصناف مُعيَّنة من الناس ، عند توفُّر شروط معيَّنة سنتحدث
عنها لاحقاً. و سُميّ هذا المال زكاة لأن المال الأصلي ينمو ببركة إخراجها و دعاء
الآخذ لها ، و لأنها تكون بمثابة تطهير لسائر المال الباقي من الشبهة و تخليص له من
الحقوق المتعلقة به و بشكل خاص حقوق ذوي الحاجة و الفاقة .
2- متى
شُرِعَت ؟
الصحيح
أنَّ مشروعية الزكاة كانت في السنة الثانية من هجرة النبي صلى الله عليه و سلم إلى
المدينة المنورة قُبَيل فرض صوم رمضان .
3- ما
حكمها و ما هو دليلها من الكتاب و السنَّة :
الزكاة
ركن من أهم الأركان الإسلامية ، و لها من الأدلة القطعية في دلالتها و ثبوتها ما
جعلها من الأحكام الواضحة و المعروفة من الدِّين بالضرورة ، بحيث يكفر جاحدها و
مُنكِرُها .
و
دليلها من الكتاب : قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}
[البقرة: 43]. والأمر بها في القرآن الكريم مًكَرَّر في آيات كثيرة ، كما ورد ذكرها
في 32 موضعاً .
و
دليلها من السُنَّة : قول النبي صلى الله عليه و سلم : " بُنِيَ الإسلام على خمس
: شهادة أن لا إله إلا الله و أنَّ محمداً رسول الله ، و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة
، و الحج ، و صوم رمضان " ، رواه البخاري و مسلم و غيرهما . و الأحاديث في هذا
كثيرة جداً .
4- ما
حكم من منعها منكراً لها ؟
الزكاة
ثالث ركن من أركان الإسلام و لذلك أجمع العلماء على أنَّ من أنكر فرضيَّتها فقد كفر
و ارتدَّ عن الإسلام و ذلك لأنها من الأمور التي عُلِمَت فرضيتها بالضرورة ، أي
يعلم ذلك الخاص و العام من المسلمين ، و لا يحتاج في ذلك إلى حجّة أو برهان . قال
النووي - رحمه الله تعالى - نقلاً عن الإمام الخطَّابي : " فإنَّ من أنكر فرض
الزكاة في هذه الأزمان كان كافراً بإجماع المسلمين " .
5- ما
حكم من منعها بخلاً و شحاً ؟
أما
من منع الزكاة ، و هو معتقد بوجوبها و مُقِرٌّ بفرضيتها ، فهو فاسق آثم يناله عذاب
شديد في الآخرة ،
قال
تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا
فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ
هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ}
[التوبة: 34-35] و لقد ذُكِرت الوجوه لأن بها يستقبلون الناس مغتبطين بالثروة و
يعبسون في وجوه الفقراء ، و ذُكِرت الجوانب و الظهور لأنهم يتنعمون على جوانبهم و
ظهورهم في أوساط النعمة ، و الكي على الوجه أشهر و أشنع و على الجنب و الظهر آلم و
أوجع .
و
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" ما من صاحب ذهب و لا فضة ، لا يؤدي حقها ( أي زكاتها ) إلا كان يومُ القيامة
صُفِّحَت له صفائح من نار ، فأُحمِيَ عليها في نار جهنم فيُكوى بها جبينه و ظهره ،
كلما بردت أعيدَت له ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يُقضى بين العباد ،
فَيُرى سبيله ؛ إمّا إلى الجنة ، و إمّا إلى النار " .
و
قد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما حديث موقوف و مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه
و سلم : " كلُّ ما أُدِّيَت زكاته فليس بكنز …وكل
ما لا تُؤدي زكاته فهو كنز "
.
و
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من آتاه
الله مالاً فلم يؤدِّ زكاته مُثِّلَ له ( أي صُيِّرَ له ) يوم
القيامة شُجاعاً أقرع ( لا شعر على رأسه لكثرة سُمِّه و طول عمره ) له
زبيبتان ( أي نابان يخرجان من فمه أو نقطتان سوداوان فوق عينيه و هو أوحش ما
يكون من الحيّات و أخبثه ) ، يُطوِّقه ( أي يُجعَل في عنقه كالطَّوق )
يوم القيامة ثم يأخذ بِلَهْزِمَتَيْهِ ( يعني شدقيه أو جانبَي فمه ) ثم
يقول : أنا مالُك أنا كنزك ". ثم تلا: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ
يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ
شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ
مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل
عِمران:180]. وأما في الدنيا فإنه تُأخذ منه قهراً عنه ، و إن تعنَّت في ذلك و
تصدّى لمن يأخذها نوصب القتال من قِبَل الحاكم المسلم الذي يقيم شرع الله عز و جل ،
و هو مُؤتمن عليه .
6- كيف
تجبى الزكاة مع وجود خلافة إسلامية ؟
تُدفع
زكاة الأموال الباطنة مثل النقدين و عروض التجارة عن طريق الإمام ، و الركاز لا
يجوز للإمام أن يطلبها .
أما
الأموال الظاهرة مثل الأنعام و الزروع و الثمار و المعادن ، إن طلب الإمام زكاة هذه
الأموال وجب على المالك إعطاؤه إياها .
7-اشرح
هذا القول : الزكاة مدعاة للعمل والربا مدعاة للكسل
.
الزكاة
مدعاة للعمل لأن الإنسان إذا ادخر أمواله لسنوات دون أن يشغلها فسوف تنقص بنسبة
2,5% سنوياً عندما يخرج الزكاة منها دون تشغيلها ، لذا كان لا بد من تشغيل المال
حتى يزداد و لا تأكله الزكاة فيدور المال بين أيدي الناس و يحصل النفع للجميع و
تتحرك العجلة الاقتصادية في البلد ، أما الربا فمدعاة للكسل لأنه عندما يضع الإنسان
ماله في البنك و يأخذ الفائدة عليها بدلاً من تشغيلها دون وجود خطر الخسارة في
التجارة حيث الربح مؤمن دون تعب أو مخاطرة ، يتم بذلك تجميد الأموال التي في
المصارف دون أن ينتفع بها الناس ، مما يؤدي إلى شلل الحركة الاقتصادية و تكاسل
أصحاب رؤوس الأموال عن العمل .
8- ما
معنى قول عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : " إذا أعطيتم فأغنوا "
؟
القاعدة
أننا إذا أردنا أن نعطي الزكاة لواحد يجب أن نغنيه لأن المقصود أن يصبح الفقير
غنياً كما كان يحصل في عهد التابعين مثلاً حيث كان يأتي الفقير بيت مال المسلمين
فيُسأل عما يجيده من أعمال و يُعطى له المال الكافي لشراء الأدوات التي سيستعملها
في عمله ( النجارة ، الحدادة … ) حتى
لا يبقى في طبقة الفقراء و يصبح قادراً على كفاية نفسه و يصبح من معطي الزكاة لا من
آخذيها و بعد تطبيق هذه القاعدة أصبح يُنادى في عهد عمر بن عبد العزيز بين الناس :
من منكم أهل لأن يأخذ الزكاة ؟ فما وُجِدَ بين المسلمين فقير هو أهل لأخذ الزكاة
فدُفِعَ هذا المال لتجهيز الجيوش . هذا المثال يوضح كيف أن إعطاء الفقير المال
شيئاً فشيئاً و إذلاله هو عكس مفهوم الزكاة ، كما كان يفعل أحد التجار اليهود الذي
كان يقف ببابه عدد من السائلين المسلمين، فكان يعطي كل واحد منهم ربع ليرة لتعويدهم
على الاستجداء و الذل دون إغنائهم فيتعرضون لذل السؤال يومياً