شروط
المال الذي تجب فيه الزكاة:
يشترط
في المال الذي تجب فيه الزكاة من حيث الجملة شروط:
1- كونه
مملوكاً لمعين.
2- وكون
مملوكيته مطلقة (أي كونه مملوكاً رقبة ويداً).
3- وكونه
نامياً.
4- وأن
يكون زائداً على الحاجات الأصلية.
5- حولان
الحول.
6- وبلوغه
نصاباً، والنصاب في كل نوع من المال بحسبه.
7- وأن
يسلم من وجود المانع، والمانع أن يكون على المالك دين ينقص
النصاب.
الشرط
الأول: كون المال مملوكاً لمعين:
فلا
زكاة فيما ليس له مالك معين، ومن هنا:
ذهب
الحنفية
إلى أن الزكاة لا تجب في سوائم الوقف، والخيل المسبلة، لأنها غير مملوكة، لأنه في
الزكاة تمليكاً، والتمليك في غير الملك لا يتصور، ولا تجب الزكاة ما استولى عليه
العدو، وأحرزوه بدارهم، لأنهم ملكوه بالإحراز، فزال ملك المسلم
عنه.
وقال
المالكية
إلى أنه يجب الزكاة في الموصى به لغير معينين. وتجب في الموقوف ولو على غير معين
كمساجد، أو كبني فلان، لأن الوقف عندهم لا يخرجه عن ملك الواقف، فلو وقف نقوداً
للسلف يزكيها الواقف أو المتولي عليها منها كلما مر عليها حول من يوم ملكها، أو
زكاها إن كانت نصاباً، وهذا إن لم يتسلفها أحد، فإن تسلفها أحد زكيت بعد قبضها منه
لعام واحد.
ذهب
الشافعية والحنابلة
إلى تفصيل ذلك فقالوا: إذا كان الوقف على غير معين، كالفقراء، أو كان على مسجد، أو
مدرسة، أو رباط ونحوه مما لا يتعين له مالك لا زكاة فيه. وكذا النقد الموصى به في
وجوه البر، أو ليشترى به وقف لغير معين، بخلاف الموقوف على معين فإنه يملكه فتجب
فيه الزكاة.
الشرط
الثاني: أن يكون ملكية المال مطلقة:
وهذه
عبارة الحنفية، وعبر غيرهم بالملك التام:
وهو ما كان في يد مالكه ينتفع به ويتصرف فيه.
والملك
الناقص يكون في أنواع من المال معينة، منها:
1- مال
الضمار: وهو كل مال مالكه غير قادر على الانتفاع به لكون يده ليست عليه، فمذهب
أبي حنيفة، ورواية عند الحنابلة أنه لا زكاة عليه فيه، كالبعير الضال، والمال
المفقود، والمال الساقط في البحر، والمال الذي أخذه السلطان مصادرة، والدين المجحود
إذا لم يكن للمالك بينة، والمال المغصوب الذي لا يقدر صاحبه على أخذه، والمسروق
الذي لا يدرى من سرقه، والمال المدفون في الصحراء إذا خفي على المالك مكانه، فإن
كان مدفوناً في البيت تجب فيه الزكاة عند الحنفية، أي لأنه في مكان
محدود.
واحتجوا
بما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: ليس في مال الضمار
زكاة.
ولأن
المال إذا لم يكن الانتفاع به والتصرف فيه مقدوراً لا يكون المالك به
غنياً.
وهذا
بخلاف ابن السبيل (أي المسافر عن وطنه) فإن الزكاة تجب في ماله، لأن مالكه يقدر على
الانتفاع به، وكذا الدين المقربه إذا كان على مليء.
وذهب
مالك
إلى أن المال الضائع ونحوه كالمدفون في صحراء إذا ضل صاحبه عنه أو كان بمحل لا يحاط
به، فإنه يزكى لعام واحد إذا وجد صاحبه ولو بقي غائباً عنه
سنين.
وذهب
الشافعية والحنابلة
إلى أن الزكاة تجب في المال الضائع، ولكن لا يجب دفعها حتى يعود المال. فإن عاد
يخرجها صاحبه عن السنوات الماضية كلها، لأن السبب الملك، وهو ثابت. قالوا : لكن لو
تلف المال، أو ذهب ولم يعد سقطت الزكاة. وكذا عندهم المال الذي لا يقدر عليه صاحبه
لانقطاع خبره، أو انقطاع الطريق إليه.
-
والمال
الموروث
صرح المالكية بأنه لا زكاة فيه إلا بعد قبضه، يستقبل به الوارث حولاً، ولو
كان قد أقام سنين، وسواء علم الوارث به أو لم يعلم.
- الزكاة
في مال الأسير، والمسجون ونحوه:
من
كان مأسوراً أو مسجوناً قد حيل بينه وبين التصرف في ماله والانتفاع
به.
ذهب
الحنابلة
إلى أن ذلك لا يمنع وجوب الزكاة عليه، لأنه لو تصرف في ماله ببيع وهبة ونحوهما نفذ،
وكذا لو وكل في ماله نفذت الوكالة.
وذهب
المالكية
إلى أن كون الرجل مفقوداً أو أسيراً يسقط الزكاة في حقه من أمواله الباطنة، لأنه
بذلك يكون مغلوباً على عدم التنمية فيكون ماله حينئذ كالمال الضائع، ولذا يزكيها
إذا أطلق لسنة واحدة كالأموال الضائعة.
أما
المال الظاهر فقد اتفقت كلمة المالكية أن الفقد والأسر لا يسقطان
زكاته، لأنهما محمولان على الحياة، ويجوز أخذ الزكاة من مالهما الظاهر وتجزئ، ولا
يضر عدم النية، لأن نية المخرج تقوم مقام نيته.
- زكاة
الدين:
الدّين
مملوك للدائن، ولكنه لكونه ليس تحت يد صاحبه فقد اختلفت فيه أقوال
الفقهاء:
وذهب
جمهور العلماء
إلى أن الدين الحالَّ قسمان: دين حال مرجو الأداء، ودين حال غير مرجو
الأداء.
فالدين
الحال المرجو الأداء: هو ما كان على مُقّرٍ به باذل له، وفيه
أقوال:
فمذهب
الحنفية والحنابلة
أن زكاته تجب على صاحبه كل عام لأنه مال مملوك له، إلا أنه لا يجب عليه إخراج
الزكاة منه ما لم يقبضه، فإذا قبضه زكاه لكل ما مضى من
السنين.
ووجه
هذا القول: أنه دين ثابت في الذمة فلم يلزمه الإخراج قبل قبضه، ولأنه لا ينتفع به
في الحال، وليس من المواساة أن يخرج زكاة مال لا ينتفع به. على أن الوديعة التي
يقدر صاحبها أن يأخذها في أي وقت ليست من هذا النوع، بل يجب إخراج زكاتها عند
الحول.
ومذهب
الشافعي:
أنه يجب إخراج زكاة الدين المرجو الأداء في نهاية كل حول، كالمال الذي هو بيده،
لأنه قادر على أخذه والتصرف فيه.
وذهب
المالكية
إلى أن الدين أنواع: فبعض الديون يزكى كل عام وهي دين التاجر المدير عن ثمن بضاعة
تجارية باعها، وبعضها يزكى لحول من أصله لسنة واحدة عند قبضه ولو أقام عند المدين
سنين، وهو ما أقرضه لغيره من نقد، وكذا ثمن بضاعة باعها محتكر، وبعض الديون لا زكاة
فيه، وهو ما لم يقبض من نحو هبة أو مهر أو عوض جناية.
وأما
الدين غير المرجو الأداء، فهو ما كان على معسر أو جاحد أو مماطل، وفيه مذاهب:
فمذهب الحنفية ورواية عن أحمد فيه كما أنه لا زكاة فيه لعدم تمام
الملك، لأنه غير مقدور على الانتفاع به.
ومذهب
الشافعي ورواية عن أحمد إنه
يزكيه إذا قبض لما مضى من السنين، لما روي عن علي رضي الله عنه في الدين المظنون
"إن كان صادقاً فليزكيه إذا قبضه لما مضى".
وذهب
مالك
إلى أنه إن كان مما فيه الزكاة يزكيه إذا قبضه لعام واحد وإن أقام عند المدين
أعواماً.
واستثنى
الشافعية والحنابلة ما كان من الدين ماشية فلا زكاة فيه، لأن شرط الزكاة في
الماشية عندهم السوم، وما في الذمة لا يتصف بالسوم.
- الدين
المؤجل:
ذهب
الحنابلة وهو الأظهر من قولي الشافعية:
إلى أن الدين المؤجل بمنزلة الدين على المعسر، لأن صاحبه غير متمكن من قبضه في
الحال فيجب إخراج زكاته إذا قبضه عن جميع السنوات السابقة.
أقسام
الدين عند الحنفية:
وذهب
أبو حنيفة
إلى أن الدين ثلاثة أقسام:
الأول:
الدين القوي: وهو ما كان بدل مال زكوي، كقرض نقد، أو ثمن مال سائمة، أو عرض تجارة.
فهذا كلما قبض شيئاً منه زكاه ولو قليلاً (مع ملاحظة مذهبه في الوقص في الذهب
والفضة، فلا زكاة في المقبوض من دين دراهم مثلاً إلا إذا بلغت 40 درهماً ويكون فيها
درهم) وحوله حول أصله، لأن أصله زكوي فيبنى على حول أصله رواية
واحدة.
الثاني:
الدين الضعيف: وهو ما لم يكن ثمن مبيع ولا بدلاً لقرض نقد، ومثاله المهر والدية
والخلع، فهذا متى قبض منه شيئاً وكان عنده نصاب غيره قد انعقد حوله يزكيه معه
كالمال المستفاد، وإن لم يكن عنده من غيره نصاب فإنه لا تجب فيه الزكاة إلا إذا قبض
منه نصاباً وحال عليه الحول عنده منذ قبضه، لأنه بقبضه أصبح مالاً
زكوياً.
الثالث:
الدين المتوسط: وهو ما كان ثمن عرض قنية مما لا تجب فيه الزكاة، كثمن داره أو متاعه
المستغرق بالحاجة الأصلية.
ففي
رواية، يعتبر مالاً زكوياً من حين باع ما باعه فتثبت فيه الزكاة لما مضى من الوقت،
ولا يجب الأداء إلا بعد أن يتم ما يقبضه منه نصاباً، وفي رواية أخرى: لا يبتدئ حوله
إلا من حين يقبض منه نصاباً، لأنه حينئذ أصبح زكوياً، فصار كالحادث
ابتداء.
- الأجور
المقبوضة سلفاً:
مذهب
الحنابلة:
إن الأجرة المعجلة لسنين إذا حال عليها الحول تجب على المؤجر زكاتها كلها، لأنه
يملكها ملكاً تاماً من حين العقد. بدليل جواز تصرفه فيها، وإن كان ربما يلحقه دين
بعد الحول بالفسخ الطارئ.
ومذهب
المالكية
لا زكاة على المؤجر فيما قبضه مقدماً إلا بتمام ملكه، فلو آجر نفسه ثلاث سنين بستين
ديناراً، كل سنة بعشرين، وقبض الستين معجلة ولا شيء له غيرها، فإذا مر على ذلك حول
فلا زكاة عليه، لأن العشرين التي هي أجرة السنة الأولى لم يتحقق ملكه لها إلا
بانقضائها، لأنها كانت عنده بمثابة الوديعة، فلم يملكها حولاً كاملاً، فإذا مر
الحول الثاني زكى عشرين، وإذا مر الثالث زكى أربعين إلا ما أنقصته الزكاة، فإذا مر
الرابع زكى الجميع.
ومذهب
الشافعية:
لا تجب إلا زكاة ما استقر، لأن ما لم يستقر معرض للسقوط، فتجب زكاة العشرين الأولى
بتمام الحول الأول، لأن الغيب كشف أنه ملكها من أول الحول. وإذا تم الحول الثاني
فعليه زكاة عشرين لسنة وهي التي زكاها في آخر السنة الأولى، وزكاة عشرين لسنتين،
وهي التي استقر عليها ملكه الآن، وهكذا.
زكاة
الثمن المقبوض عن بضائع لم يجر تسليمها:
إذا
اشترى مالاً بنصاب دراهم، أو أسلم نصاباً في شيء، فحال الحول قبل أن يقبض المشتري
المبيع، أو يقبض المسلم فيه، والعقد باق لم يجر فسخه.
قال
الحنابلة:
زكاة الثمن على البائع، لأن ملكه ثابت فيه، ثم لو فسخ العقد لتلف المبيع، أو تعذر
المسلم فيه، وجب رد الثمن كاملاً.
وقال
الشافعية
بما هو قريب من ذلك وهو أن البضاعة المشتراة إذا حال عليها الحول من حين لزوم العقد
تجب زكاتها على المشتري وإن لم يقبضها.
- الشرط
الثالث: النماء:
ووجه
اشتراطه عند الحنفية أن المقصود من شرعية الزكاة بالإضافة إلى الابتلاء
مواساة الفقراء على وجه لا يصير به المزكي فقيراً، بأن يعطي من فضل ماله قليلاً من
كثير، والإيجاب في المال الذي لا نماء له يؤدي إلى خلاف ذلك مع تكرر
السنين.
والنماء
متحقق في السوائم بالدر والنسل، وفي الأموال المعدة للتجارة، والأرض الزراعية
العشرية، وسائر الأموال التي تجب فيها الزكاة، ولا يشترط تحقق النماء بالفعل بل
تكفي القدرة على الاستنماء بكون المال في يده أو يد نائبه.
وبهذا
الشرط خرجت الثياب التي لا تراد لتجارة سواء كان صاحبها محتاجاً إليها أو لا، وأثاث
المنزل، والحوانيت، والعقارات، والكتب لأهلها أو غير أهلها، وخرجب الأنعام التي لم
تعد للدر والنسل، بل كانت معدة للحرث، أو الركوب، أو اللحم.
والذهب
والفضة لا يشترط فيهما النماء بالفعل، لأنهما للنماء خلقة، فتجب الزكاة فيهما، نوى
التجارة أو لم ينو أصلاً، أو نوى النفقة.
قالوا:
وفقد النماء سبب آخر في عدم وجوب الزكاة في أموال الضمار بأنواعها المتقدمة، لأنه
لا نماء إلا بالقدرة على التصرف، ومال الضمار لا قدرة عليه.
وهذا
الشرط يصرح به الحنفية، ويراعيه غيرهم في تعليلاتهم دون تصريح
به.
- الشرط
الرابع: الزيادة على الحاجات الأصلية:
قال
الحنفية:
لا زكاة في كتب العلم المقتناة لأهلها وغير أهلها ولو كانت تساوي نصباً، وكذا دار
السكنى وأثاث المنزل ودواب الركوب ونحو ذلك.
قالوا:
لأن المشغول بالحاجة الأصلية كالمعدوم، وهي بما يدفع عنه الهلاك تحقيقاً كثيابه، أو
تقديراً كدينه.
والزكاة
تجب في النقد كيفما أمسكه للنماء أو للنفقة.
- الشرط
الخامس: الحول:
المراد
بالحول أن يتم على المال بيد صاحبه سنة كاملة قمرية، فإن لم تتم فلا زكاة فيه، إلا
أن يكون بيده مال آخر بلغ نصاباً قد انعقد حوله، وكان المالان مما يضم أحدهما
الآخر، فيرى بعض الفقهاء، أن الثاني يزكى مع الأولى عند تمام حول
الأول.
ودليل
اعتبار الحول قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا زكاة في مال حتى يحول عليه
الحول".
ويستثنى
من اشتراط الحول في الأموال الزكوية الخارج من الأرض من الغلال الزراعية، والمعادن،
والركاز، فتجب الزكاة في هذين النوعين ولو لم يحل الحول، لقوله تعالى في الزروع
{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] ولأنها نماء بنفسها فلم
يشترط فيها الحول، إذ أنها تعود بعد ذلك إلى النقص، بخلاف ما يشترط فيه الحول فهو
مرصد للنماء.
- المال
المستفاد أثناء الحول:
إن
لم يكن عند المكلف مال فاستفاد مالاً زكوياً لم يبلغ نصاباً، فلا زكاة فيه ولا
ينعقد حوله، فإن تم عنده نصاب انعقد الحول من يوم تمَّ النصاب، وتجب عليه زكاته إن
بقي إلى تمام الحول.
وإن
كان عنده نصاب، وقيل أن يحول عليه الحول استفاد مالاً من جنس ذلك النصاب أو مما يضم
إليه، فله ثلاثة أقسام:
القسم
الأول: أن تكون الزيادة من نماء المال الأول، كربح التجارة، ونتاح السائمة، فهذا
يزكى مع الأصل عند تمام الحول.
القسم
الثاني: أن يكون المستفاد من غير جنس المال الذي عنده، كأن يكون ماله إبلاً فيستفيد
ذهباً أو فضة. فهذا النوع لا يزكى عند حول الأصل. بل ينعقد حوله يوم استفادته إن
كان نصاباً، اتفاقاً.
القسم
الثالث: أن يستفيد مالاً من جنس نصاب عنده قد انعقد حوله وليس المستفاد من نماء
المال الأول. كأن يكون عنده عشرون مثقالاً ذهباً ملكها في أول المحرم، ثم يستفيد
ألف مثقال في أول ذي الحجة، فقد اختلف العلماء في ذلك.
فذهب
الشافعية والحنابلة،
إلى أنه يضم إلى الأول في النصاب دون الحول، فيزكي الأول عند حوله أي في أو المحرم
في المثال المتقدم، ويزكي الثاني لحوله أي في أول ذي الحجة ولو كان أقل نصاب، لأنه
بلغ بضمه إلى الأول نصاباً. واستدلوا بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا زكاة
في مال حتى يحول عليه الحول". وبقوله: "من استفاد مالاً فلا زكاة عليه حتى يحول
عليه الحول عند ربه" رواه الترمذي.
وذهب
الحنفية
إلى أنه يضم كل ما يأتي في الحول إلى النصاب الذي عنده فيزكيهما جميعاً عند تمام
حول الأول، قالوا: لأنه يضم إلى جنسه في النصاب سبب، والحول شرط، فإذا ضم في النصاب
الذي هو سبب، فضمه عليه في الحول الذي هو شرط أولى، ولأن إفراد كل مال يستفاد بحول
يفضي إلى تشقيص الواجب في السائمة، واختلاف أوقات الواجب، والحاجة إلى ضبط مواقيت
التملك، ووجوب القدر اليسير الذي لا يتمكن من إخراجه، وفي ذلك حرج، وإنما شرع الحول
للتيسير، وقد قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ
حَرَجٍ} [الحج: 78] وقياساً على نتاج السائمة وربح
التجارة.
وذهب
المالكية
إلى التفريق في ذلك بين السائمة وبين النقود، فقالوا في السائمة كقول أبي
حنيفة.
قالوا:
لأن زكاة السائمة موكولة إلى الساعي، فلو لم تضم لأدى ذلك إلى خروجه أكثر من مرة
بخلاف الأثمان فلا تضم، فإنها موكولة إلى أربابها.
الشرط
السادس: أن يبلغ المال نصاباً:
والنصاب
مقدار المال الذي لا تجب الزكاة في أقل منه، وهو يختلف باختلاف أجناس الأموال
الزكوية، فنصاب الإبل خمس منها، ونصاب البقر ثلاثون. ونصاب الغنم أربعون، ونصاب
الذهب عشرون مثقالاً، ونصاب الفضة مائتا درهم، ونصاب الزروع والثمار خمسة
أوسق.
ونصاب
عروض التجارة مقدر بنصاب الذهب أو الفضة.
والحكمة
في اشتراط النصاب واضحة، وهي أن الزكاة وجبت مواساة، ومن كان فقيراً لا تجب عليه
المواساة، بل تجب على الأغنياء إعانته، فإن الزكاة تؤخذ من الأغنياء لترد على
الفقراء.وجعل الشرع النصاب أدنى حد الغنى، لأن الغالب في العادات أن من ملكه فهو
غني إلى تمام سنته.
- الوقت
الذي يعتبر وجود النصاب فيه:
ذهب
الشافعية والحنابلة
إلى أن من شرط وجوب الزكاة وجود النصاب في جميع الحول من أوله إلى آخره، فلو نقص في
بعضه ولو يسيراً انقطع الحول فلم تجب الزكاة في آخره.
قالوا:
فلو كان له أربعون شاة فماتت في الحول واحدة ثم ولدت واحدة انقطع الحول. فإن كان
الموت والنتاج في لحظة واحدة لم ينقطع، كما لو تقدم النتاج على الموت، واحتجوا
بعموم حديث "لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول".
وذهب
الحنفية
إلى أن المعتبر طرفا الحول، فإن تم النصاب في أوله وآخره وجبت الزكاة ولو نقص المال
عن النصاب في أثنائه، ما لم ينعدم المال كلية، فإن انعدم لم ينعقد الحول إلا عند
تمام النصاب، وسواء انعدم لتلفه، أو لخروجه عن أن يكون محلاً للزكاة، كما لو كان له
نصاب سائمة فجعلها في الحول علوفة.
وفي
قول عند الحنابلة:
إذا وجد النصاب لحول كامل إلا أنه نقص نقصاً يسيراً كساعة أو ساعتين وجبت
الزكاة.
ولو
زال ملك المالك للنصاب في الحول بيع أو غيره ثم عاد بشراء أو غيره استأنف الحول
لانقطاع الحول الأول بما فعله.
وذهب
المالكية
إلى أن الشرط أن يحول الحول على ملك النصاب أو ملك أصله، فالأول كما لو كان يملك
أربعين شاة تمام الحول، والثاني كما لو ملك عشرين شاة من أول الحول فحملت وولدت
فتمت بذلك أربعين قبل تمام الحول، فتجب الزكاة في النوعين عند حول
الأصل.
ومثاله
أيضاً، أن يكون عنده دينار ذهب فيشتري به سلعة للتجارة فيبيعها بعشرين ديناراً قبل
تمام الحول، ففيها الزكاة عندما يحول الحول على ملكه للدينار، والذي يضم إلى أصله
فيتم به النصاب هو نتاج السائمة وربح التجارة، بخلاف المال المستفاد بطريق آخر
كالعطية والميراث فإنه يستقبل بها حولها.
- الشرط
السابع: الفراغ من الدين:
وهذا
الشرط معتبر من حيث الجملة عند جمهور الفقهاء.
وعبر
بعضهم بأن الدين مانع من وجوب الزكاة.
فإن
زاد الدين الذي على المالك عما بيده فلا زكاة عليه، وكذا إن لم يبق بيده بعدما يسد
به ولا يعتبر الدين مانعاً إلا إن استقر في الذمة قبل وجوب الزكاة، فأما إن وجب بعد
وجوب الزكاة لم تسقط، لأنها وجبت في ذمته، فلا يسقطها ما لحقه من الدين بعد
ثبوتها.
وذهب
الشافعي
إلى أن الدين لا يمنع الزكاة أصلاً، لأن الحر المسلم إذا ملك نصاباً حولاً وجبت
عليه الزكاة فيه لإطلاق الأدلة الموجبة للزكاة في المال
المملوك.
- الأموال
التي يمنع الدين زكاتها والتي لا يمنع:
أما
الأموال الباطنة وهو النقود وعروض التجارة فإن الجمهور القائلين بأن الدين
يمنع الزكاة ذهبوا إلى أن الدين يمنع الزكاة فيها. ولو كان من غير جنسها على ما
صرح به المالكية.
وأما
الأموال الظاهرة وهي السائمة والحبوب والثمار والمعادن فذهب الجمهور (المالكية
والشافعية على قول والحنابلة إلى أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة فيها، روي عن
أحمد أنه قال: لأن المصدق إذا جاء فوجد إبلاً أو بقراً أو غنماً لم يسأل: أي شيء
على صاحبها من الدين، وليس المال - يعني الأثمان - هكذا.
والفرق
بين الأموال الظاهرة والباطنة أن تعلق الزكاة بالظاهرة آكد، لظهورها وتعلق قلوب
الفقراء بها، ولأن الحاجة إلى حفظها أوفر، فتكون الزكاة فيها
آكد.
واستثنى
الحنابلة على الرواية المشهورة
الدين الذي استدانه المزكي للإنفاق على الزرع والثمر، فإنه يسقطه لما روي عن ابن
عمر: يخرج ما استدان أو أنفق على ثمرته وأهله ويزكي ما بقي.
وذهب
الحنفية
إلى أن الدين يمنع الزكاة في الأموال الباطنة وفي السوائم، أما ما وجب في الخارج من
الأرض فلا يمنعه الدين، كما لا يمنع الخراج، وذلك لأن العشر والخراج مؤنة الأرض،
ولذا يجبان في الأرض الموقوفة وأرض المكاتب وإن لم تجب فيهما
الزكاة.
الديون
التي تمنع وجوب الزكاة:
ذهب
الحنفية
إلى أن الدين الذي يمنع وجوب الزكاة هو ما كان له مطالب من جهة العباد سواء كان
ديناً لله كزكاة وخراج، أو كان للعباد، وسواء كان حالاً أو مؤجلاً، ولو صداق زوجته
المؤجل للفراق، أو نفقة لزوجته، أو لقريب لزمته بقضاء أو تراض، وكذا عندهم دين
الكفالة، قالوا: لأن الكفيل محتاج إلى ما بيده ليقضي عنه دفعاً للملازمة أو
الحبس.
أما
ما لم يكن له مطالب من جهة العباد فلا يمنع وجوب الزكاة، قالوا: كدين النذر
والكفارة والحج، ومثلها الأضحية، وهدي المتعة، ودين صدقة
الفطر.
وذهب
المالكية
إلى أن زكاة المال الباطن يسقطها الدين ولو كان دين زكاة، أو زكاة فطر، أو كان
للعباد حالاً كان أو مؤجلاً، أو كان مهر زوجة أو نفقة زوجة مطلقاً، أو نفقة ولد أو
ولدان كان قد حكم بها القاضي.
واختلف
قول المالكية
في مثل دين الكفارة والهدي الواجب فقول لا يمنع وجوب الزكاة لعدم المطالب من
العباد، وقول أنه يمنع لأن الإمام يطالب الممتنع بإخراج ما عليه من قول مثل هذه
الديون.
وذهب
الحنابلة
إلى أن دين الآدمي مطلقاً يمنع وجوب الزكاة، أما دين الله ففي قول: يمنع وفي قول:
لا يمنع.
شروط
إسقاط الزكاة بالدين:
القائلون
بأن الدين يسقط الزكاة في قدره من المال الزكوي، اشترط أكثرهم أن لا يجد المزكي
مالاً يقضي منه الدين سوى ما وجبت فيه. فلو كان له مال آخر فائض عن حاجاته
الأساسية، فإنه يجعله في مقابلة الدين، لكي يسلم المال الزكوي فيخرج
زكاته.
مذهب
المالكية والحنابلة:
إنه يعمل بذلك سواء كان ما يقضي منه من جنس الدين أو غير جنسه. فلو كان عليه دين
مائتا درهم وعنده عروض قنية تساوي مائتي درهم فأكثر وعنده مائتا درهم، جعل العروض
في مقابلة الدين لأنه أحظ للفقراء.
وكذا
إن كان عليه دين وله مالان زكويان، لو جعل أحدهما في مقابل الدين لم يكن عليه زكاة،
ولو جعل الآخر في مقابلة الدين كان عليه زكاة، فإنه يجعل في مقابلة الدين ما هو أحظ
للفقراء، كمن عليه دين مائة درهم وله مائتا درهم وتسع من الإبل، فإذا جعلنا في
مقابلة الدين الأربعة من الإبل الزائدة عن النصاب لكون الأربعة تساوي المائة من
الدراهم أو أكثر منها وجب ذلك رعاية لحظ الفقراء، لأننا لو جعلنا مما معه من
الدراهم مائة في مقابلة الدين سقطت زكاة الدراهم.
وقال
المالكية أيضاً
مما يمكن أن يجعل في مقابلة الدين فيمنع سقوط الزكاة: الدين الحال المرجو، والأموال
الزكوية الأخرى ولو جرت تزكيتها، وأن العرض يقوم وقت الوجوب، وأخرجوا من ذلك نحو
البعير الشارد، والمال الضائع، والدين المؤجل أو غير المرجو لعدم صلاحية جعله في
مقابلة الدين الذي عليه.
ومذهب
الحنفية
أن من كان عنده مال زكوي ومال غير زكوي فائض عن حاجته الأساسية وعليه دين فله أن
يجعل في مقابلة الدين المال الزكوي، ولو من غير جنسه، فإن بقي منه نصاب فأكثر زكاه
وإلا فلا زكاة عليه، قالوا: لأن غير مال الزكاة يستحق للحوائج، ومال الزكاة فاضل
عنها، فكان الصرف إليه أيسر، وأنظر بأرباب الأموال.
قالوا:
ولو كان له مالان زكويان من جنسين أو أكثر جاز له أن يجعل أياً منهما أو بعضه في
مقابلة الدين والخيار له. فلو كان عنده دراهم ودنانير وعروض تجارة وسوائم يصرف
الدين لأيسرها قضاء، ولو كان عنده نصاب بقر ونصاب إبل وعليه شاة ديناً، جاز جعلها
في مقابلة شيء من البقر لئلا يجب عليه التبيع، لأن التبيع فوق الشاة