البيت
المسلم هو المسؤول الأول عن الفرد المسلم ، يرعاه في طفولته ، ويشرف عليه في شبابه
، ومن واجبات البيت المسلم توفير الصحبة الصالحة لأولاده ، وبناته ، لأن الرفقة
مرحلة ضرورية لابد منها ، فإما أن يلتحق الشاب برفقة حسنة ، أو رفقة سيئة ، لذا
وجب على الآباء والمربين توفير الرفقة الصالحة لأولادهم وبناتهم ، (( فعن أنس رضي
الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الصبيان ، فأخذه
فصرعه فشق عن قلبه ... الحديث ))
([1]) ، وكان صلى الله عليه وسلم إذا شاهد مجموعة من
الأطفال يلعبون فلا يفرقهم ، ولا يفسد عليهم لعبهم ، بل إنه يشجعهم على هذه الروح
الجماعية ومتابعة اللعب
([2]).
فلا بد إذن
للطفل من صحبة ، فإذا أحسن الوالدان اختيار الصديق الصالح لطفلهما فسيأتي الخير إن
شاء الله ، وإن الوالدين مطالبان بتأمين الصديق الصالح لطفلهما يحادثه ويسامره ويلعب
معه ، كما أنهما مطالبان بتأمين الطعام الحلال للطفل لينشأ جسمه في الحلال ، وينبت
لحمه بعيداً عن السحت
([3]).
ومن الأمور
التي ينبغي على المربي أن يلحظها ، ويهتم بها ، ويسعى جهده في تحقيقها : ربط الولد
بأربعة أصناف من الأصحاب وهم :
صحبة البيت
، والحي ، والمسجد ، والمدرسة أو العمل . ويقصد بصحبة البيت صحبة الأخوة والقرابة
، وهم أول من يكتسب منهم ، ويأخذ عنهم ويرتبط بهم ، وصحبة الحي من أولاد الجيران
في المسكن ، وصحبة المسجد من الأولاد الذين اعتادوا صلاة الجماعة والجمعة وحضور
الدروس في مسجد الحي ، وصحبة الحي وصحبة المسجد متلازمتان لاتنفك إحداهما عن
الأخرى
([4]) .
وقد يهتم
الأبوان بأطفالهما الصغار ، ثم يختلط هؤلاء الأطفال بأقرانهم في الحي والمدرسة
فيضيعون ويضيع جهد البيت الذي بُذل لهم ، لأن مرحلة الشباب منعطف هام في عمر الفرد
، قد تدعم الجهود المبذولة في الطفولة ، وقد تبعثرها وتنسفها .
ولكي نصل
إلى الرجل المسلم ، والمرأة المسلمة ، السويين على فطرتهما ، يجب ان نوفر لكل
منهما طفولة سوية ، وصحبة صالحة ، حتى يصل الفرد المسلم إلى مرحلة الرشد بسلام .
وإذا كان
البيت المسلم يقدم كل ما يحتاجه الطفل قبل المدرسة ، فإن البيت يعجز وحده عن توفير
البيئة المسلمة ، ولابد من جهود كبيرة يبذلها البيت المسلم ، وتخطيط إسلامي تربوي
هادف من أجل ذلك ، وهذا عرض موجز لما ينبغي على البيت المسلم من أجل توفير صحبة
صالحة لأولاده وبناته .
1- لابد
للأب المسلم والأم المسلمة من معرفة مبادئ علم نفس النمو ، ليتضح لهم أهمية الرفقة
الصالحة ، وصفاتها ، وأول ما ينبغي على الأب والأم فعله مصاحبة الأب للولد الشاب ،
ومصاحبة الأم لابنتها الشابة ، والمثل الشعبي يقول : (( إذا كبر ولدك خاويه
)) . فإذا وصل الطفل إلى الثالثة عشر
عاماً ، ينبغي على الوالد أن يغير معاملته ، لأن ولده لم يعد طفلاً ، ولا يعامله
كطفل : كالخوف الزائد عليه ، وعدم السماح له بالخروج من البيت ، والتدخل في شؤونه
الخاصة ... الخ ، عندئذ يهرب الطفل من والده وينظر إليه على أنه سلطة عليا تهدده
دوماً وتلاحقه بالمراقبة ، ويبحث الطفل عندئذ بسرعة عن أقران خارج الأسرة ، وسوف
تتلقفه أول جماعة أقران يصادفها .
وينبغي على
الأم أن تصاحب ابنتها ، وتغير معاملتها معها لأنها لم تعد طفلة ، وعندئذ قد تصاحب
البنت أمها ، وتتشرب منها سلوكها كصديقة ، بعد أن تشربته منها كأم .
( وسبيل
المربي إلى صيانة فتاه وفتاته عن أقذار الجاهلية الدنسة لن يكون سهلاً ، ووسيلته
هي تعميق الإحساس بالله ، ووسيلته كذلك أن يكون (( صديقاً )) لمن يربيه ، وأن يجعل
الصلة التي تربطه بالبيت أقوى وأثقل من الصلة التي تربطه بالمجتمع ، وأن تكون صلة
المودة بين الولد وأبيه ، وبين الفتاة وأمها كافية (( للمكاشفة )) التي يمكن عن
طريقها تصفية الضغط الزائد عن الحد .. )
([5]).
2- التخطيط
المسبق :
ويتضمن هذا
التخطيط عدة جوانب منها :
أ-
الاهتمام بمرحلة الطفولة المبكرة ، والطفولة الهادئة ، فالطفولة السوية تؤدي إلى
مراهقة سوية .
ب- تحذير
الأولاد من الرفقة السيئة ، ومن وسائل ذلك تحفيظ الأولاد الآيات والأحاديث التي
تحذر من قرين السوء .
ج- الإقامة
في بيئة صالحة ، وقد يترك الأب المسلم دولة وعملاً ثم يهاجر إلى بلد صالح ، كما
فعل بعض الإخوة المسلمين الذين عاشوا في أوربا وأمريكا حتى إذا اقترب أولادهم من
المراهقة تركوا أوربا ، وتركوا عملهم فيها ، ومنهم من كان مديراً لمستشفى كبير ،
ويشغل منصباً هاماً ، تركوا ذلك كله ، لأن بقاءهم هناك سيضيع أولادهم وبناتهم ،
وستضيع الجهود التي بذلوها لهم في الطفولة .
وينبغي على
البيت المسلم أن يضع هذا الهدف في أول الأسباب التي يحدد مكان إقامته على ضوئها .
قبل الراتب والتجارة والوظيفة ، فمسؤولية الوالدين عن تربية الأولاد مسؤولية
دنيوية وأخروية ، ولا يعادلها الراتب أو التجارة أو أية مكاسب دنيوية .
ومن نعم
الله عزوجل على الباحث أن أكرمه بالإقامة مع أسرته في المدينة المنورة ، وكان ولده
الأكبر آنذاك في الحادية عشر من عمره ن وهكذا ترعرع معظم اولاد الباحث وبناته في
أفضل بيئة في العالم المعاصر – حتى اليوم – ويدعو الله أن يحفظ أطفاله الصغار
ويهيئ لهم ما هيأ لأشقائهم ، إنه كريم رحيم . وبعض الأسر المسلمة تهاجر من بلد إلى
آخر ، وقد تتحمل بعض الجهد والمشقة في ذلك ، من أجل تأمين البيئة الصالحة لأولادها
وبناتها .
3- عندما
يهاجر البيت المسلم من بلد إلى آخر ، بحثاً عن البيئة الصالحة ، مما لا شك فيه أن
ينتقي أفضل الأحياء ، وأقرب المساكن إلى المسجد ، وأن ينتقي الجوار قبل الدار ،
ويرضى بالشقة المتواضعة مع الجيران الصالحين ، ويرفض ( الفيلا ) الواسعة في الحي
المتفرنج .
4- للمسجد
أهميته في التربية ، وبعض المساجد تفيض بالحركة والنشاط ومثل هذا المسجد تكثر حوله
الأسر المسلمة ، وجماعة تحفيظ القرآن من أساسيات المسجد ، وكلما كان معلم القرآن
ناجحاً في مهمته ، زادت أهمية المسجد ، وزاد الراغبون في السكن حوله .
5- ينبغي
على الأب المسلم أن يبحث عن المدرسة المسلمة إن وجدت ، أو على الأقل يبحث عن
المدرسة التي لا تهدف إلى تدمير عقيدة الطلاب وسلوكهم ، وفي الوقت الراهن توجد
مدارس خاصة قليلة جداً ، أو شبه نادرة لها أهداف إسلامية ، ومثل هذه المدارس على
الأقل لا تعمل عامدة على تخريب عقيدة الطلاب وسلوكهم ، ويتوقع الباحث أن تقوم في
السنوات القادمة القريبة مدارس خاصة إسلامية ، سوف تقوم بهدف إعداد جيل مسلم .
وينصح
الباحث الأب المسلم بإرسال أولاده إلى المدرسة المسلمة مهما كانت بعيدة عن البيت ،
أو يسكن في الحي المجاور لهذه المدرسة ، وليجتهد الأب المسلم في توفير القسط
المدرسي ، ولو وفره من ثمن الطعام والشراب ، لأن المدرسة المسلمة سوف تكمل ما قام
به البيت المسلم ، ومن ثم يمر الفرد المسلم عبر مرحلة الطفولة والمراهقة بسلام ،
ويصل إلى مرحلة الرشد ، ليكون رجلاً مسلماً قوياً في دينه وعقله ، وروحه وجسمه .
وعندما لا
تتوفر المدرسة المسلمة ، فابحث – أيها الأب المسلم – عن المدرسة الجيدة ، وهناك
علاقة بين المدرسة والحي ، ومدير المدرسة ، والمدرسين العاملين فيها .
ولاتنس –
أيها الأب المسلم – أن الاختلاط شر ، ومخالف للتربية الإسلامية ، حتى في الروضة
والمرحلة الابتدائية ، لأن الهدف من الفصل بينهما في الروضة ، هو ترسيخ سلوك عدم
الاختلاط منذ الصغر ، لأن الاختلاط مجمع الشرور والفساد الذي يلحق بالمجتمع ، وقد
أخرج الشيخان رحمهما الله عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال : (( إياكم والدخول على النساء )) فقال رجل من الأنصار : يا رسول
الله أفرأيت الحمو ؟ قال : (( الحمو الموت ))
([6]) ، أي لا يجوز لشقيق الزوج الدخول على
زوجة أخيه أو الخلوة بها .
والفصل بين
الجنسين صفة أساسية من صفات المجتمع المسلم ، يجب تأصيلها في نفوس الأطفال وسلوكهم
منذ نعومة أظفارهم
([7]) .
وقد يبدو
الأمر صعباً لأول وهلة ، فانتقاء الحي المناسب ، والمسجد النشيط والمدرسة المسلمة
، لكن الصعوبة تتبدد مرة واحدة عندما تتعاون عدة أسر مسلمة على السكن في حي واحد ،
ومن ثم توفير حافلة صغيرة لنقل عشرات الأطفال إلى المدرسة الفضلى ، والمسجد الأفضل
، وهكذا تحل هذه الحافلة ثلاث صعوبات مرة واحدة ، هي الحي المسلم ، والمدرسة
المسلمة ، والمسجد الحركي ويعتقد الباحث أن تعاوناً بين الأسر المسلمة ، بدأ يظهر
على الوجود ، وأن مرحلة بناء المؤسسات الاجتماعية المسلمة على قدم وساق في العالم
الإسلامي .
6-
المتابعة غيرالمباشرة :
بعد
التخطيط المسبق ، وهو توفير البيئة الصالحة من مسجد وحي ومدرسة ، كي ينتقي الفتى
أفراد جماعته من هذه البيئة الصالحة ، يستطيع البيت المسلم توجيه دفة الانتقاء
بشكل غير مباشر على النحو التالي :
أ- يقوم
البيت المسلم بزيارات إسلامية إلى بيوت مسلمة وتتلخص الزيارة الإسلامية بما يلي :
1- زيارة
هادفة ، مدروسة بين البيتين ، بحيث يوجد أقران في البيتين .
2- يجلس
الذكور منفصلين عن الإناث ، ويشغل بعض وقت الزيارة بشيء من الذكر كتلاوة القرآن ،
أو موعظة قصيرة .
3- يسعى
الأبوان ، والأمّان ، إلى انفراد البنات مع البنات ، والأولاد مع الأولاد ن
ويخططون لذلك بشكل غير مباشر ، ويحرص البيت المسلم أن لا يقوم بزيارات عائلية إلى
بيوت مضطربة ، أو مهزوزة ، ويحرص على زيارة الدعاة المسلمين ، والداعيات المسلمات
، للاستفادة من سلوكهم مع أولادهم في البيت .
ب- تقوم
عدة بيوت مسلمة منتقاة برحلة مشتركة ، على أن يكون الفصل بين الجنسين متوفراً ،
كأن تخرج كل أسرة بسيارتها وإن تعذر ذلك فلينقل الذكور كلهم بسيارة ، والنساء
بسيارة أخرى ، وفي الحديقة يجلس الرجال بعيدين عن النساء ، بحيث يجتمع الآباء
والأولاد ، كما تجتمع الأمهات والبنات .
ولابد من
تخصيص وقت من الرحلة للذكر كتلاوة القرآن ، أو تذاكر الحديث ، أو موعظة قصيرة ،
وقد تؤدى الصلاة خلال الرحلة جماعة للرجال ، وتصلي النساء في ستر عن الرجال إن
أمكن .
ج- يجمع
أحد الآباء أقران ولده ويصحبهم إلى رحلة ، أو إلى البرية من أجل كرة القدم ، ولابد
من تخصيص وقت لذكر الله عزوجل ، ومدارسة الحديث ، والموعظة ، ويفضل أن يتناول
الأولاد الفطور أو الغداء معاً ، وقد يصلون جماعة . وربما اجتمع عدة آباء مع أولادهم
الذكور في مسبح ، لممارسة السباحة ، وتناول طعام الفطور ، وتحصيص وقت للذكر أيضاً
كتلاوة القرآن ... كما تجتمع الأمهات مع البنات عند إحداهن في مناسبة ما ، ولابد
من تخصيص وقت للذكر ومدارسة الحديث ، والموعظة .
ويذكر
الباحث أن هذه الزيارات الإسلامية أو الرحلات والنزهات المسلمة ، نشاط اجتماعي
إسلامي هادف ، لابد من تمييزه عن اللهو والترف ، وتنقيته من الغيبة والنميمة وسائر
أنواع السلوك الجاهلي .
د- دعوة
أصحاب الولد ( أقرانه ) الصالحين إلى البيت ، خلال مناسبة ما ، وإكرامهم ، وحث
الولد على دعوتهم إلى المنزل ، وكذلك تدعو الأم ( صاحبات ) ابنتها وتكرمهن ، وتقدم
لهن العون والمساعدة إن لزم الأمر . وهذا تشجيع غير مباشر لتوطيد العلاقة مع هؤلاء
الأقران الصالحين .
هـ - يطلع
المربي ( الأب والأم ) على أوضاع المتربي ، من حيث صداقاته دون علمه وإحساسه ،
لأن المراهقين يرفضون الملاحظات المباشرة
، ويمقتون الرقابة . ويتدخل المربي بشكل غيرمباشر إذا لاحظ ميل ولده إلى أقران
السوء ، وقد يحسم الأب الأمر بتبديل الحي ، أو المدرسة ، أو البلد كله للتخلص من
أقران السوء ، إذا رأى ولده يميل إليهم . ويسأل الأب الحصيف – والأم الحصيفة –
ولده عن أسماء رفاقه في المدرسة ، وقد لا يسأل ولده ، وإنما يذهب إلى المدرسة
ويتعرف على أسمائهم ، ثم يبحث عنهم وعن سلوكهم في المدرسة والحي ، ويحاول التعرف
على أسرهم ، فإن آنس خيراً ، حمد الله وشكره ، وإن لمس غير ذلك ن يجب عليه التدخل
بسرعة ليحسم الموقف بتغيير المدرسة أو الحي أو البلد كله إن لزم الأمر ، لأن
الموقف خطير جداً ، ويتوقف عليه مستقبل ولده في الدنيا والآخرة .
7-
الاستعانة بذوي الخبرة : كأن يلجأ الأب إلى مدرس داعية ، ويوصيه بالاهتمام بولده ،
ويوثق صلة ولده بهذا المدرس كأن يرسل هدية صغيرة ( كتاب مثلاً ) للمدرس مع ولده ،
أو يزوره مع ولده في البيت ، أو يلجأ إلى إمام المسجد أو مدرس القرآن ، أو قريب
كالإبن الكبير ، أو عم أو خال إذا لمس ميلاً من ولده إليه ، ليتعاون معه في توجيه
ولده بشكل غير مباشر نحو الرفقة الصالحة ، وإبعاده عن رفاق السوء.
8- يحرص
الأب المسلم على إرسال أولاده إلى المراكز الصيفية الإسلامية ، لأن هذه المراكز –
كما هي في بلدان الخليج اليوم – تجمع خيرة الشباب المسلم ، وإرسال الولد إليها ،
يعني وضعه في بيئة صالحة لينتقي منها أفراد جماعته ، ويتخذ منهم أصحاباً وخلاناً
له . ولهذه المراكز فائدة وقائية أيضاً ، وهي إبعاد الأولاد عن الشوارع حيث
الأولاد الأقرب إلى الشر والذين أهملهم أهلهم وأهملوا متابعتهم ، فكونوا جماعات
سوء ، تقضي معظم أوقات فراغها في الشوارع .
101- رواه الحاكم في مستدركه وقال صحيح الإسناد وأقره الذهبي .
[2] - محمد نور سويد ، ص 345 .
[3] - المرجع نفسه ، ص 345 .
[4] - عبدالله علوان ، ص 863
وما بعدها بتصرف .
[5] - محمد قطب ، ( 2 – 240 )
.
106- اللؤلؤ والمرجان ، (1403) .
107- ينصح الباحث بالعودة إلى كتاب خطر التبرج والاختلاط للأستاذ
عبدالباقي رمضون .