تمهيد :تأتي اهمية
المسجد في التربية من عدة أمور منها : - أنه ينمي الروح وهي أهم شيء في الإنسان ،
- ومنها أن الفتى قبل البلوغ يبحث عن مرجع ينتمي إليه غير الأسرة ، لأن مغادرة
الطفولة تعني عدم الاعتماد على الأسرة ، - ومنها ان المسجد بيئة صالحة لجماعة
الأقران التي يبحث عنها الفتى . لذلك فإن بعض الدروس في المسجد للبنات ضرورية ، أو
تخصيص مكان للنساء هام ، حيث تلتقي فيه البنات الصالحات ، وفيه تنتقي الفتاة
صاحباتها ، اللاتي تبحث عنهن . وليتمكن المسجد من القيام بهذه المهمات لابد أن
يعمل فيه عدة دعاة كالإمام والخطيب ومدرس القرآن الكريم والمؤذن ، ومدرس الفقه
ومدرس الحديث والسيرة ... الخ . وينبغي أن يلم هؤلاء بعلم نفس النمو عامة ، ومرحلة
البلوغ والشباب خاصة ، بالإضافة إلى علوم الفقه والحديث والقرآن الكريم .
وكلما كان
هؤلاء الدعاة من الشباب ، أو ممن يتمتعون بروح الشباب ، كانوا أقرب إلى قلوب رواد
المسجد من الفتيان والأطفال ، وكانوا عندئذ مرجعاً لهم يسد مكان الأسرة التي يسعى
الفتى للتحرر منها .
وهكذا
يوفرالمسجد الأقران الصالحين ، والمرشدين المربين ، وهما أهم ما يحتاجه الفتيان
قبل البلوغ وبعده .
الأقران
والمسجد : يبحث الفتى
عن الرفقة لأنها تغذي حاجة نفسية ملحة عنده ، وينتقي أقرانه من الفتيان المشابهين
له في الطباع ، ويختارهم من جواره وزملائه وأقاربه ، أي ممن يكثر لقاؤه بهم ،
وأقران المسجد يلتقي بهم الفتى خمس مرات في اليوم ، بالإضافة إلى ساعة كل يوم في
جماعة تحفيظ القرآن ، ومن خلال هذه المعايشة اليومية ، ينتقي الفتى المواظب على
المسجد أقرانه من رواد المسجد .
الأسر
المسجدية : وليتمكن
المسجد من الإشراف على هؤلاء الفتيان وتوجيههم وحمايتهم من الانحراف ، تشكل الأسر
المسجدية بإشراف الإمام ومعاونة العاملين في المسجد بالإضافة إلى المتطوعين من
طلاب المدارس الثانوية المتوفقين دعوياً واجتماعياً . والأسر المسجدية وقد تسمى (
حلقة ) أو ( مجموعة ) ، هي عدد من الفتيان تتراوح بين
( 4 - 8 )
بما فيهم أمير الأسرة ، وتترك الحرية للأفراد ينتقون بعضهم ثم يعين لهم الإمام
أميراً لهم بالتشاور معهم ، ولابد من تشابه أفراد الأسرة من حيث العمر والمدرسة
كذلك ، ومن حيث درجة صلتهم بالمسجد ، فقد يكونون من المواظبين على الصلوات الخمس
فقط ، وقد تكون هذه الأسرة من المواظبين على الصلوات الخمس وجماعة تحفيظ القرآن ،
ولابد من التشابه بين الأقران .
ونذكر أن
هذه الأسرة محاولة لتعويض جماعة الأقران ، وقد يكتفي بعض الفتيان بها ، وتتوطد
العلاقة بين أفرادها حتى تصبح جماعة أقران حقيقية .
هدف
الأسرة المسجدية :تهدف
الأسرة المسجدية إلى توفير جماعة أقران صالحين للفتى ، حيث يسمح لهم بانتقاء
أفرادها ، ثم يحدد لهم لقاءات في المسجد يديرونها بأنفسهم ، ويمارسون أنشطتهم بدون
تدخل الكبار ، لكن بإشراف غير مباشر من أمير الأسرة ، ومن أهداف الاسرة إشباع رغبة
الانتماء ؛ كحاجة نفسية قوية لدى الشاب كما سنرى ، ومن أهدافها تنفيذ أنشطة وبرامج
خيرة بطبيعة الحال ، لأنها تقع داخل المسجد ، مما يبعد مجرد التفكير بالسلوك
الشائن .
برامج
الأسرة المسجدية : يوجه أعضاء
الأسرة بشكل غير مباشر إلى أن تكون برامجهم من الفقرات التالية :
1- تلاوة
القرآن الكريم وإتقان أحكام التلاوة والتجويد ، وقد يستعين أفراد الأسرة بأميرهم
لهذا الغرض .
2- حفظ بعض
الآيات والسور القرآنية .
3- شرح
وتفسير بعض هذه الآيات والسور المحفوظة .
4- حفظ
وشرح بعض الأحاديث الشريفة ، من الأربعين النووية أو رياض الصالحين أو غيرهما .
5- دراسة
كتاب مبسط في العقيدة .
6- دراسة
دورية في السيرة النبوية ( سيرة ابن هشام أو الرحيق المختوم أو نور اليقين ... ومثل
ذلك ) .
7- دراسة
كتاب في التاريخ الإسلامي وحياة الصحابة ن مما كتبه المسلمون .
8- دراسة
كتاب مبسط في الفقه على أحد المذاهب الأربعة .
9- دراسة
إحدى قضايا المسلمين مثل : فلسطين ، أفغانستان ، وغيرهما كثير .
10- دراسة
كتاب مبسط في النحو والصرف والإملاء والبلاغة .
11- مذاكرة
الدروس المقررة في المدرسة ، والتعاون على حل الواجبات .
12- رحلة
مشتركة لعدة أسر بإشراف المسجد .
13-
المساهمة في المركز الصيفي الإسلامي بإشراف المسجد ، والمساهمة في المعسكر
الإسلامي كذلك .
14- القيام
برحلات إلى أقطار إسلامية بإشراف المسجد
([1]).
15- صيام
يوم أو يومين في الأسبوع والإفطار في المسجد أو في بيت أحدهم .
16- إحياء
ليلة في الشهر ، في بيت أحدهم أو في المسجد بنية الاعتكاف .
17- زيارة
القبور مرة كل ثلاثة شهور ، وزيارة مريض مرة شهرياً .
18- زيارة
أحد الدعاة أو العلماء في بيته .
19- مسير
ليلي على ضوء القمر بالدراجات العادية أو على الأرجل .
20- ممارسة
السباحة وركوب الخيل والرمي ، في نادي ، وبإشراف المسجد .
برنامج
لقاء الأسرة المسجدية :ويمكن
تمييز لقاءين لهذه الأسرة أحدهما اللقاء اليومي ، والآخر لقاء أسبوعي
أ- اللقاء
اليومي :
ويمكن تحديد
وقته بين المغرب والعشاء ، أو بعد العصر ، حيث يحضر أعضاء الأسرة إلى المسجد
للصلاة ، ولتلاوة القرآن وحفظه ، وبشكل عفوي سيلتقي أعضاء جماعة الأقران ، ويدرب
هؤلاء الأعضاء بشكل غير مباشر على أن يشمل برنامج اللقاء اليومي :
1- تقرير
فردي من كل عضو عما يعانيه اليوم ، بهدف استشارة إخوانه .
2- حل واجب
مدرسي ، أو الاستعداد لاختبار قريب .
ب- اللقاء
الأسبوعي :
ويمكن
تحديده بعد عصر أو مغرب يوم الخميس أو الجمعة ، ومدته أطول من اللقاء اليومي وهذه
أهم فقراته :
1- تقرير
من كل عضو عن أهم ما مر به في الأسبوع ، بغرض استشارة إخوانه ، في شئونه الخاصة
والعامة ، وفي هذا توطيد للثقة وللرابطة بينهم .
2- تلاوة
من القرآن الكريم ، يستمعون لبعضهم من محفوظاتهم .
3- قراءة
في العقيدة أو الحديث أو الفقه ، بالتناوب فيما بينها .
4- قراءة
في كتاب السيرة أو النحو أو التاريخ ، وتتناوب هذه المواد أسبوعياً .
5- الاتفاق
على عيادة مريض ، أو رحلة قصيرة داخل المدينة ، أو وزيارة لأحد الدعاة أو المساجد
وتنفذ خلال الأسبوع .
الأسرة
المسجدية والانتماء :يقول محمد
قطب : لم يعد الفتى متمركزاً حول ذاته بالصورة التي كان عليها في الطفولة ... إنما
صار خط (( الغيرية )) واضحاً وبارزاً في نفسه وفي حياته ... أما الشاب فإنه اليوم
مشغول بالمجتمع من حوله ، ومشغول (( بالآخرين )) ... ومن أين يبدأ الإصلاح ؟ والتغيير لإزالة
الظلم ؟ ومن هذا الخيط يسعى الشباب من جانبه إلى (( الانتماء )) ، كما تتسارع
الجماعات والأحزاب إلى جذب الشباب إليها من هذا الخيط ذاته
([2]).
كما أن
التنمية النفسية الصحيحة لا تتم في كيان فرد منعزل عن الآخرين ، لأنها مبنية
أساساً على (( الغيرية )) ، وعلى التعامل مع الغير والترابط والتلاحم والتعاون ،
فهي بطبيعتها أمور جماعية ، تحتاج إلى جماعة ، فكيف يتدرب الشاب على الأخوة ؟ إذا
لم يمارسها ، وكيف يتدرب على التعاون والأثرة إذا لم يتعامل مع أفراد آخرين . لذلك
فلابد من وجود جماعة ن ولابد من انتماء الشاب إلى الجماعة ، لأن هذا الشعور
الجماعي فطري لدى الإنسان ، ولأن الحاجة إلى الانتماء من الحاجات الأساسية لدى
الشاب . والأسرة المسجدية تشبع حاجة أساسية لدى الفتى ، ويتم إشباعها من خلال
المسجد ورواده ، بدلاً من أن يكون الشباب شللهم المتسكعة في الطرقات لمعاكسة
المارين والمارات ، أو يتجمعون للعب الورق والقمار ، أو تذهب إلى أماكن اللهو
والمجون ، أو تتحلق حول التلفزيون ؛ حول مسرحية عابثة أو فلم هابط
([3]).
لذا فإن
الشاب يشعر بانتمائه إلى المسجد ، لأن المسجد مؤسسة اجتماعية إسلامية ، فيكون
انتماء الشاب عندئذ انتماءً إسلامياً . ويبدأ الفتى بالانتماء إلى جماعة الأقران ،
وهي إحدى أسر المسجد ، ثم بعد البلوغ يشعر الشاب أنه ينتمي إلى المسجد ، وخاصة
عندما يساهم ف انشطة المسجد ، كالحفلات الإسلامية ، أو المباريات الثقافية
والرياضية التي تقام للتنافس بين المساجد .
وانتماء
الشباب إلى المساجد ، يسد الطريق على الأحزاب العلمانية ، والهيئات الملحدة ، التي
تخرب عقائد الشباب ، وتحرف سلوكهم عن الخير ، وقد نمت هذه الأحزاب العلمانية
وترعرعت عندما غابت هذه المساجد الحركية ، وصارت دوراً لأداء الصلاة فقط ، ثم تقفل
أبوابها بعد ذلك .
108- بعض هذه الفقرات مقتبس من علي عبد الحليم محمود ، ص 170 .
109- محمد قطب ، (2-259) بتصرف كبير .
110- المرجع نفسه ، (2-287) .